وأفادت وكالة مهر للأنباء، انه كان عام 2022، هو عام الصدمات الاجتماعية والاضرابات بسبب الغلاء والتضخم، وهو عام تقلبات الطقس ما بين أربعين درجة فوق الصفر في الصيف، إلى ما دون 17 درجة تحت الصفر في الشتاء.
والعام 2022 هو أيضا عام الكدمات والأزمات السياسية بفعل تخبط حزب المحافظين في إدارة دفة الحكم، وهو عام وفاة الملكة إليزابيث الثانية عن عمر ناهز 96 عاما، وبقيت ممسكة خلالها بالعرش الملكي لمدة سبعين سنة (1952-2022) لتكون أطول ملوك بريطانيا جلوسا على العرش متجاوزة المدة التي حكمتها الملكة فيكتوريا، وليكون وريث إليزابيث إبنها الملك الجديد تشالز الثالث، أكبر ملك في تاريخ البلد يتقلد العرش وهو في عمر الرابعة والسبعين.
ومع تلك الوفاة تغير النشيد الوطني للمملكة المتحدة من «ليحفظ الله الملكة» إلى «ليحفظ الله الملك» وذلك لأول مرة منذ العام 1952... ولأول مرة أيضا شهدت بريطانيا تعاقب ثلاثة رؤساء وزراء على الحكم من حزب المحافظين خلال أقل من شهرين فقط، حيث أن بوريس جونسون الذي كان الشخصية الجدلية الأكثر إثارة لدى الرأي العام، اضطر للاستقالة بعد إدانته بخرق قانون حظر التجمعات خلال فترة تطبيق قانون الإغلاق العام للوقاية من انتشار فيروس كورونا عام 2020، حيث حضر جونسون ووزراء ومساعدون له حفلة اقيمت بمناسبة ذكرى عيد ميلاده في حديقه مكتبه ولم ينفعه الإنكار أمام البرلمان لأن تحقيق الشرطة البريطانية المدعوم بصور كاميرات المراقبة أثبت حصول المخالفة وزيف ادعاءاته.
وبعد استقالة جونسون لم تستطع خليفته ليز تراس البقاء أكثر من 44 يوما فقط في رئاسة الوزراء فغدت أقل رؤساء الوزراء مكوثا في السلطة، فقدمت استقالتها بضغط من نواب حزبها بعد سلسلة قرارات اقتصادية بينها تقليص الانفاق وخفض الضرائب ما أدى إلى تزعزع ثقة الأسواق وهبوط سعر صرف الجنية الاسترليني إلى مستويات قاربت سعر صرف الدولار، فأجبرها حزبها على الاستقالة الفورية ليخلفها في زعامة حزب المحافظين ورئاسة الوزراء ريشي سوناك ويشكل علامة فارقة في تاريخ رئاسة الوزراء لكونه أصبح أول رئيس وزراء لبريطانيا من أصول آسيوية – هندية، بعدما ارتفعت أسهم سوناك داخل حزب المحافظين ليصبح زعيمهم، نظرا لخلفيته الاقتصادية والمصرفية ولكونه شغل سابقا منصب وزير الخزانة في بريطانيا، وهنا بيت القصيد.
فالبلاد تشهد أزمة معيشية شديدة أدخلت اقتصادها في مرحلة الركود والتدهور العميق ببلوغ التضخم نسبة 11.1 في المئة وهي النسبة الأعلى للتضخم منذ 41 عاما، والنتيجة المباشرة إضرابات بالجملة، وزيادة نسبة البطالة إلى 3.7 في المئة، وزيادة نسبة إفلاس الشركات وفقا لإحصاء أعلنته هيئة الإفلاس البريطانية التي قالت إن 2029 شركة مسجلة أشهرت إفلاسها خلال تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بزيادة نسبتها 21 في المئة عن الشهر نفسه من العام الفائت وبزيادة نحو 33 في المئة عن مستويات ما قبل جائحة فيروس كورونا. ومع تآكل القدرة الشرائية في بريطانيا بفعل ارتفاع الأسعار وزيادة التضخم حذر بنك إنكلترا بأن بريطانيا تجه صوب ركود طويل الأمد مع عدم ترجيح عودة التضخم للنسبة المستهدفة قبل مطلع عام 2024 بينما حذرت جهة رقابية حكومية للميزانية من تسجيل أكبر تقلص في مستويات المعيشة منذ بدأت السجلات في خمسينيات القرن الماضي.
وهكذا وجدت الحكومة نفسها أمام إضرابات شملت مختلف القطاعات الحيوية، ومنها إضراب قطاع الصحة حيث شاركت فيه عشرات الآف الممرضات في إنكلترا وويلز وأيرلندا الشمالية، بعدما تم رفض مطالبهن بزيادة أجورهن 19 في المئة لمواجهة الغلاء، حيث قالت زيرة الصحة ماريا كولفيلد إن تلك المطالب غير واقعية ولا بد من توازن مطلبي بشأن زيادة الأجور.
أما في قطاع النقل فشارك بالاضراب 40 ألف عامل يعملون في قطاع القطارات والسكك الحديد، وأدت هذه الاحتجاجات إلى اضطراب حركة النقل للمواطنين على نطاق واسع، واستجلبت تحديا وتلويحا من رئيس الوزراء ريشي سوناك بأنه يعتزم فرض قوانين لمكافحة الإضرابات لحماية الأرواح وسبل العيش.
وقال سوناك إنه يأمل أن يرى قادة النقابات أنه ليس من الصواب التسبب في اضطرابات لكثير من الناس، خاصة في وقت عيد الميلاد. وأضاف «لكنني على استعداد لفرض تشريع جديد العام المقبل لحماية حياة الناس وتقليل الاضطراب الذي يصيب سبل معيشتهم. وهذا شيء نعمل عليه بوتيرة سريعة».
ورفض العمال مواقف سوناك وأتهموا حكومته بالتسبب في تعكير عيد الميلاد لعدم استجابتها لمطالبهم. وبينما تقول الحكومة إن زيادة الأجور ستأتي بمزيد من درجات التضخم، فإن الزيادات نفسها مهددة بالذوبان بفعل «قوة إعصار التضخم».
على خط مواز شهد العام زيادة أعداد اللاجئين المتسللين إلى الأراضي البريطانية عبر قوارب صغيرة تجتاز بحر المانش بين فرنسا وبريطانيا، وقد وصفت وزيرة الداخلية سويلا برافرمان في تصريح ناري تلك الزيادة بأنها «غزو اللاجئين» ما أثار انتقادات واسعة ضدها تدعوها إلى فتح ممرات آمنة للاجئين، لكن الوزيرة رفضت تلك الدعوات وقالت إنه «من الأهمية بمكان أن نضع حدًا لعمليات العبور غير القانونية في المانش».
ودعمها في ذلك رئيس الوزراء ريشي سوناك فتوعد بسياسة أكثر حزما لمواجهة اللجوء غير الشرعي قائلا: «لقد طفح الكيل» وأعلن عن حزمة واسعة من الإجراءات لمكافحة الهجرة غير الشرعية بعد توقيع اتفاق بين باريس ولندن في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر للعمل معاً حول هذا الملف.
ومنذ بداية العام، قام حوالي 45 ألف شخص بعبور هذه القناة الانكليزية في المانش، مقارنة بنحو 30 ألفا في العام الماضي، بينما تقول المنظمة الدولية للهجرة إن أكثر من 205 أشخاص لقوا مصرعهم أو فقدوا في البحر أو على الأرض، في محاولة للوصول إلى إنكلترا من الساحل الشمالي لفرنسا منذ 2014.
أما على الصعيد الخارجي فقد تصدرت بريطانيا المشهد في الدعم العسكري المقدم من الغرب لأوكرانيا لمواجهة الحرب الروسية، كما يغلق العام الحالي أبوابه على أزمة دبلوماسية بين بريطانيا والصين التي سحبت ستة دبلوماسيين صينيين بعدما طالبتها الخارجية البريطانية برفع الحصانة الدبلوماسية عنهم لمثولهم أمام إحدى المحاكم البريطانية بتهمة الإساءة وضرب ناشط من هونغ كونغ خلال مشاركته في تظاهرة أمام القنصلية الصينية في مانشستر، وردت السفارة الصينية في بيان: أن الحكومة البريطانية فشلت في منع الاقتحام والاعتداء الذي سببه مثيرو الشغب وحماية مباني وموظفي القنصلية الصينية.
أما على الصعيد الرياضي فأتيحت الفرصة لمنتخبي إنكلترا وويلز للمشاركة والمواجهة في بطولة كأس العالم التي أقيمت في قطر، وكانا يأملان ببلوغ البطولة، لكن منتخب إنكلترا أخرج ويلز، بينما تكفلت فرنسا بإخراج المنتخب الإنكليزي من المونديال.
المصدر: القدس العربي
/انتهى/
تعليقك