وكالة مهر للأنباء - القسم الدولي: تعد وسائل الإعلام اليوم من أهم وسائل الاتصال والتواصل، سواءً بالتوثيق أو بالتعريف... وعلى الرغم وجود تركيز إعلامي واضح على القضية الفلسطينية من قبل الإعلام المحلي والعربي والعالمي، كونها تشهد أوضاعاً سياسية خاصة في ظل الاحتلال، فعلى الاعلام واجب وطني، وواجب قومي، بتسليط الضوء على عملية تدمير وتزوير وطمس الهوية الوطنية من قبل الاحتلال وبشكل ممنهج... ومن هنا ينبغي على الإعلام بكافة أنواعه توثيق وتعريف العالم بهذه القضية المركزية والمحورية، من أجل المحافظة عليها..
فقد نالت القضية الفلسطينية ومقاومة الشعب الفلسطيني عبر تاريخها الطويل اهتمام العديد من وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لما لها أثر في إيصال الصوت العالي للدفاع عن القضية الفلسطينية ودور في رفع القضية ليس على المستوى المحلي بل الإقليمي والدولي، فهي القضية الأساس وجوهر الصراع العربي_الاسرائيلي، وصاحبة التواجد الدائم في قلوب الشعوب..
وفي هذا الإطار فإن استخدام المحور الإعلامي ومواقع التواصل الاجتماعي يُساهم في تعزيز ممارسات الصمود في مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للشعب الفلسطيني من خلال توفير رؤية إعلامية يُستخدم فيها كل أدوات التكنولوجيا الحديثة لنشر الوعي التثقيفي والوطني حول القضية الفلسطينية وآليات المقاومة التي تساعد الشعب في تقرير مصيره.
وفي هذا الصدد أجرت مراسلة وكالة مهر للأنباء، "وردة سعد" حواراً صحفياً مع مدير المركز الدولي للإعلام والدراسات في بيروت الاستاذ "رفيق نصرالله"، وأتى نص الحوار على الشكل التالي:
** من المهم والمثير ان نحتفي بإعلامي بعد مرور خمسين عاما على توليه مسؤولية الكلمة والخبر والمعلومة والتحليل الصادق.. ولعل السؤال البديهي الاول الذي يخطر ببال الباحثين هو اننا لو حسبنا نقطة الانطلاق والنقطة التي نحن فيها الان، فهل ترى ان مسار تاريخنا العربي كان مسارا تقدميا؟ هل هناك انجازات حققتها الامة وشعوبها خلال العقود الخمسة الماضية؟
لا شك ان التاريخ في حركة دائمة خاصة في منطقة ملتهبة كالمنطقة التي نعيش فيها، فنحن نعيش في منطقة جغرافية قلقة، والتي كانت دائما مسرحا لاحداث كبرى منذ بداية التاريخ ربما، ونحن في هذه الفترة عايشنا على مدى الخمسين عاما الكثير من التطورات التي طاولت الجغرافيا السياسية للمنطقة والتي شهدت احداثا كبرى تركت الكثير من المفاعيل والارتدادات سواء منها ما يتعلق بالاجتياح الإسرائيلي لاول عاصمة عربية "بيروت"، ثم ولادة المقاومة، ثم التطورات على مستوى بعض الدول في المشرق العربي، وكان من اخطرها الغزو الأميركي للعراق ثم محاولة ولادة ما يسمى بـ"الشرق الاوسط الجديد" الى الربيع العربي، الى كل ما نشهد الان من هذه التطورات..
بالطبع كان هناك الكثير من الاحباطات والانكسارات وخيبات الامل، ومنها مؤخرا حالات التطبيع مع العدو الإسرائيلي، لكن ايضا بالمقابل كانت ولادة ثقافة المقاومة وثقافة مواجهة هذه المشاريع، لذلك اسقطت "صفقة القرن" واسقط "الربيع العربي"، ونحن الان في نوع من التوازن الردعي على الاقل مع العدو الإسرائيلي، وعلى مدى الخمسين عاما ما زلنا نواجه خاصة على مستوى الحصار الاقتصادي حيث المخطط يعتمد على حصر ومحاصرة هذه الشعوب، ومحاولة فرض خيارات عليها بعد ان فشلت في فرضها عبر الخيارات العسكرية.
** خلال الخمسين عاما الماضية تغير العالم وتبدلت معالم المنطقة ايضا.. ولكن جرح فلسطين لا يزال نازفا!! لماذا لم تستطع امة العرب وقف دوامة المأساة التي ابتدأت باحتلال فلسطين ووصلت الى مآسي التطبيع وكارثة الابراهيمية التي تمس عقيدة الامة وثوابتها، وتستبدل الصديق بالعدو؟ أين مكمن العلة؟. الاعلام ودوره هو السؤال الكبير دائما، والذي اصبح طاغيا اليوم مع ثورة الاتصالات والاعلام الشعبي البديل.. هل لا يزال للاعلام الرصين مكانة في هذه الغابة من قنوات التلفزة والصحف الاليكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي؟ هل تراجع دور الاعلامي وسقط البعض في مستنقع الشعبوية والبحث عن الاعجاب؟
علينا ان نعطي الاهمية القصوى لامتلاك ميديا قادرة ان تعبر عن كل طموحاتنا، ومواجهة ما يخطط لنا، لان بعض عواصمنا اخذت بالميديا للاسف عبر كي الوعي وعبر تغيير الوقائع وانحراف بوصلة الصراع
لا تزال القضية الفلسطينية جوهر الصراع في هذه المنطقة، وستظل، ونحن نعيش في حروب مفتوحة ولن تتوقف طالما هناك احتلال إسرائيلي لفلسطين، وطالما هناك مخططات للقوى الاستعمارية التي حاولت منذ بداية القرن العشرين فرض الانتداب، ومن ثم اطلاق الوعود ك وعد بلفور، ومن ثم تقسيم المنطقة بعد سايكس بيكو، وصولا الى إنشاء الكيان عام 1948، لكن ورغم كل الخيبات ورغم كل شيء لم يستكن الشعب الفلسطيني الذي لا يزال يمتاز وهي افضل صفة عنده بأنه يقدم شلالا من الدماء، يعني لم يتراجع ولم يستسلم ما زال الشعب الفلسطيني ولادا...
وما زالت المقاومة الفلسطينية تقدم نماذج مختلفة، وبالطبع الى جانب المقاومة المسلحة والاستشهاد والاعتقال والاسر، ايضا نحتاج الى ميديا متقدمة التي يجب ان تتلاءم وتتناغم مع التضحيات، نحن نعترف بأننا لا نملك ميديا متقدمة كما يفعل الآخر، لذلك علينا ان نعطي الاهمية القصوى لامتلاك ميديا قادرة ان تعبر عن كل طموحاتنا، ومواجهة ما يخطط لنا، لان بعض عواصمنا اخذت بالميديا للاسف عبر كي الوعي وعبر تغيير الوقائع وانحراف بوصلة الصراع، لذلك انا أدعو دائما الى امتلاك هذه الميديا وتحديدا بما يطال القضية الفلسطينية وايضا قضايانا السياسية والاجتماعية والامنية والثقافية.
** كيف يمكن ان نعيد الاعلام الى مكانته الرفيعة باعتباره سلطة حقيقية تخدم الناس، وتتصدى لتغول السلطات الحاكمة من جهة بدل التطبيل لها؟ وتعبر عن الام وامال الاجيال الجديدة؟ وتستعيد مكانتها كمدافع عن ثوابت الامة وقضاياها الاستراتيجية؟
لا بد من امتلاك منظومة اعلامية قادرة على الاقل ان تكون شريكة في المواجهة، وشريكة في القرار، الان في الصراع في العالم حول من يمتلك وسائل المعرفة ووسائل الاتصال، والوسائل القادرة على فرض خياراتها، لهذا نرى صراعا عالميا بين الاميركيين والصينيين والروس والأوروبيين على من سيمتلك هذه الوسائل، وعلينا نحن ان نكون شركاء في هذه المواجهة وليس فقط متلقين، لا ان نظل مجرد اتباع وضحايا..
من هنا لا بد من امتلاك منظومة كاملة لديها القدرات والامكانات المالية والبشرية ايضا من اجل ان تواكب نضالاتنا على كل الصعد، وانا لست مع الذين يبررون التقاعس ان هناك نقص في الامكانيات، نحن لو امنا هذه الامكانيات لدينا عقول ولدينا اعلاميين شرفاء ولدينا قدرات، وبالامكان ان نكون شركاء في المواجهة في ظل ما نشهد وما سنشهد خلال الاعوام الخمسة القادمة.
** هل لنا ان نسأل الاعلامي المخضرم سؤالا بسيطا بعد طول التجربة: هل انت نادم على الانخراط في هذا الميدان؟ وكيف تنظر الى هذه المهنة اليوم بعد المخاضات والتجارب وتراكم الاحداث؟
بعد حوالي الخمسين عاما من التجربة، لا يمكن ان اقول اني نادم، لقد سنحت لي فرص عديدة لاكون خارج الاعلام، ولكن كان الهاجس الاعلامي هو الذي يسكن بي، وسعيد ان اطور نفسي منذ ان دخلت الى قناة ابو ظبي وكان لي من العمر 24 سنة، طورت ادواتي، وحاولت ان اكون على مستوى التطورات التي كان يشهدها الاعلام في ذلك الوقت الى يومنا هذا...
لست نادما رغم بعض خيبات الامل، رغم كل ما واجهت، رغم القرار التعسفي الذي صدر بحقي عام 2006 لوقوفي الى جانب المقاومة، رغم كل شيء... لكن اعتز وأشعر بالكثير من الاعتزاز كوني كنت اعلاميا وبنفس الوقت بقيت على ثوابتي ومبادئي التي لم تتغير يوما ولم اساوم عليها، ولن تتغير في المدى الذي سيسمح ما بقي لي من عمر./انتهى/
تعليقك