وكالة مهر للأنباء_ وردة سعد: اعتبر الإمام روح الله الموسوي الخميني "قده" أن ( الشعب الفلسطيني اليوم شعب مظلوم وشجاع جداً رغم مظلوميته .. إنه شعب يقاوم لوحده وبغربة وبأياد عزلاء وقد أعجز القوى المادية العالمية المدججة بكل أسلحة القتل والقمع ).
لذلك ومنذ اربعة عقود لم تتوانى الجمهورية الاسلامية في إيران عن دعم ومساندة القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني المظلوم بكل ما اوتيت من قوة وعلى مختلف الصعد، واصبح يوم القدس الذي اعلنه الامام الخميني (رض) يوما عالميا لكل الاحرار لكل الشرفاء في كل اصقاع العالم.
وقد أحيا أحرار العالم يوم القدس لهذا العام بشكل مختلف ومميز وبأعادٍ أكبر نظرا للأحداث الحاصلة في غزة.
وللنظر في أهمية "يوم القدس العالمي" وأهمية القضية الفلسطينية من الناحية الدينية، أجرت مراسلة وكالة مهر للأنباء، الأستاذة "وردة سعد"، حوارا صحفيا مع الأستاذ الجامعي والباحث التربوي والاعلامي السيد "خضر الموسوي"، وجاء نص الحوار على النحو التالي:
* يوم القدس العالمي هو من أهم الأحداث للمسلمين في العالم بعد ان أعلن عنه الامام السيد روح الله الخميني (رض) في آخر جمعة من شهر رمضان، دعما للشعب الفلسطيني.. فما الذي كان يريده الامام رضوان الله عليه من هذا اليوم؟ وما الذي تحقق من هذه الاهداف عبر السنوات التي اعقبت اعلان هذه المناسبة؟
أراد الإمام صنع التحول في الصراع الحضاري مع الصهاينة كما أراد إبقاء القدس حية في النفوس، كما أراد كشف الأنظمة العميلة، ومما قاله الإمام الخميني "قده" حول هذا اليوم: (يوم القدس ليس يوماً عادياً بل هو يوم انفضاح المتآمرين الموالين لإسرائيل ). وقال أيضا: (إنني أعتبر يوم القدس يوماً للإسلام ويوماً لرسول الله ويوماً يجب أن نجهز فيه كل قوانا لإخراج المسلمين من العزلة ). وقال أيضا (يوم القدس يوماً إسلامياً ويوماً للتعبئة الإسلامية العامة وآمل أن يكون هذا الأمر مقدمة لتأسيس حزب المستضعفين في كل أنحاء العالم ...) وحذر من عدم الإحياء بقوله (إن الذين لا يحيون مراسم يوم القدس هم مخالفون للإسلام وموافقون للصهيونية).
كما أراد الإمام التأكيد بأن الصراع مع إسرائيل صراع مصيري وجودي وليس مجرد نزاع سياسي أو حدودي، بقوله (لقد ولدت إسرائيل بفكر مشترك وتواطؤ بين الشرق والغرب من أجل استعمار الشعوب الإسلامية والقضاء عليها واليوم فإنها مدعومة ومحمية من قبل جميع المستعمرين ) .
وقد تحقق الكثير مما أراده الإمام (ره)، حيث المسيرة مستمرة عبر السيد القائد الخامنئي ( دام ظله) بنفس التوجه والمنطق والتعبئة وذلك عبر خطوات عديدة نلمسها بوضوح ومنها :
_ العمل الفعلي لإزالة إسرائيل عبر الاستعداد المعنوي والمادي وتشكيل القوة العسكرية المناسبة.
_ دعم الحركات المقاومة لإسرائيل بالسلاح والتدريب والعدة في لبنان وفلسطين والعراق وغيرها .
_الحركة السياسية الواسعة والمستمرة لدفع الشعوب العربية والإسلامية والحرة لمناصرة الشعب الفلسطيني للعمل على إزالة إسرائيل .
_ ما نراه اليوم من مظاهرات عالمية مليونية وعقد المجالس والمحافل وترداد النداءات في المساجد والشوارع مع رفع شعارات القدس وفلسطين.
* في الحقيقة ان النضال ضد الصهيونية والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والمقدسات الاسلامية، شكّل أحد الأركان الرئيسية لفكر الإمام الخميني السياسي. فكيف كان ينظر الامام الى هذه القضية؟ وكيف استطاع ان يربط بينها وبين جهاده الدؤوب لاسقاط نظام الشاه واقامة الجمهورية الاسلامية في ايران ؟
اعتبر الإمام أن اسرائيل ( غدة سرطانية ) وأنه (يجب أن تزول) ولم يطرح الموضوع كمجرد شعار بل كنمط لتربية الأمة, ليتحول الأمر إلى حالة من العشق، فكما قال (اليوم ايران وغداً فلسطين) ودعا إلى (تجهيز جيش العشرين مليونا مقاتل لتحرير القدس ) وأطلق الشعار (زحفاً زحفاً نحو القدس)، ورفض التفاوض مع العدو الصهيوني. وكل ذلك من منطلق ديني وعقائدي مؤكداً على الوعد الإلهي بالنصر .
كما اعتبر الإمام أن ( الشعب الفلسطيني اليوم شعب مظلوم وشجاع جداً رغم مظلوميته .. إنه شعب يقاوم لوحده وبغربة وبأيد عزلاء وقد أعجز القوى المادية العالمية المدججة بكل أسلحة القتل والقمع ).
كل ذلك انطلق من نظرته العقائدية العميقة لأهمية القدس وفلسطين لذا نراه يركز على مسؤولية العلماء والمفكرين والمربين والأساتذة والإعلاميين لتنبيه الأمة إلى الأخطار .
كما دعا إلى دعم المجاهدين والمقاومين بقوله (لا تغفلوا عن تقديم المساعدات والعون للرجال المضحين الذين يناضلون في طريق تحرير فلسطين ).
حتى أن الإمام ومنذ الخمسينيات من القرن الماضي وقبل انتصار الثورة أذن بدفع أموال الخمس والزكاة وسائر الصدقات للمقاومين لإسرائيل كما أجاز إعطاءها للمنظمات الفلسطينية والفصائل المقاتلة آنذاك، وأوصى بدعم الانتفاضة الأولى ومساندتها وتقديم العون لها.
وانطلق الإمام لبناء الجمهورية الإسلامية عبر الربط بين جهاده لإسقاط الشاه والنضال ضد الصهيونية فقد صرح عام 1964 أن (حكومة الشاه البهلوي تقوم بإهانتنا تنفيذاً لأوامر إسرائيل) .
وأشار إلى عمق التأثير الصهيوني على سياسة الشاه المقبور وذلك بسبب (سيطرة إسرائيل وعملائها على مقدرات إيران وعلى مراكز حساسة من اقتصادنا بمساعدة ودعم الحكومة الإيرانية وأجهزتها الطاغية).
* القدس هي قبلة المسلمين الاولى ومسرى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم.. وجميع المسلمين يعرفون ذلك.. فلماذا تأخر الوعي الاسلامي بهذه الحقيقة حتى أيقظه صوت الامام؟ وماذا يعني قوله قدس سره الشريف ان "يوم القدس يوم عالمي، انه يوم مواجهة المستضعفين مع المستكبرين"؟
إن الوعي الإسلامي بحقيقة (القدس قبلة المسلمين ومسرى الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله ) هو حقيقة بذاتها بوجدان كل مسلم على وجه الأرض، ولكن العوائق كثيرة سواء من الأنظمة الحاكمة أو الاستعمار الأجنبي الحاقد أو بعض الحركات الحزبية العميلة.
وكان الأمر يحتاج إلى قفزة نوعية جريئة، فكانت نداءات الإمام منذ الستينيات من القرن الماضي وفي مناسبات كثيرة تصدح بأهمية وضرورة تحرير القدس ودعم القضية الفلسطينية واستنهاض العالم بمسلميه ومسيحييه لأجل تلك القضية، مع تحذيرات كثيرة من الخطر الصهيوني الاستكباري، ليس على فلسطين والقدس بل على العرب والمسلمين والعالم بأسره، فخلال حرب حزيران عام 1967 قال الإمام الخميني (يجب على الدول الإسلامية وشعوبها على اختلاف قومياتها ولغاتها أن تتوحد وتبذل كل جهودها وإمكانياتها في استئصال الغاصب المعتدي وأن تكف عن مساعدة اسرائيل وعمالها السائرين في ركابها ومناصريها، فتحرم عليهم النفط والأسلحة والمتفجرات وأن تقطع عنها كل رابطة تجارية وسياسية وأن تمتنع عن استقبال المنتوجات الإسرائيلية كافة ).
وفي بيان آخر أضاف الإمام (يجب علينا جميعاً أن ننهض لنقتلع إسرائيل من الجذور) وخلال حرب تشرين عام 1973 قال (إنه لا يمكن التخلص من هذه الجرثومة – إسرائيل – إلا بالتضحية والمقاومة ).
ونجد أنه في العام 1980 يعلن الإمام أنه (يجب على المسلمين إحياء يوم القدس، إن يوم القدس يوم يقظة جميع الشعوب الإسلامية ).
(إني أرجو جميع المسلمين أن يعظموا يوم القدس وأن يقيموا في جميع الأقطار الإسلامية يوم القدس في آخر جمعة من الشهر المبارك بالمظاهرات وإقامة المجالس والمحافل والتجمع في المساجد ورفع الشعارات ) . كما قال (أرجو التوفيق لكل المسلمين وأن يأتي ذلك اليوم الذي يتآخون فيه وأن تقلع جميع الجذور الفاسدة من البلاد الإسلامية وأن نذهب معاً إلى القدس ونصلي فيها صلاة الوحدة إن شاء الله ).
ويمكننا اعتبار فشل التعبئة العربية في إثارة حماس الشعوب فضلاً عن تجاهل الكثير من القيادات الفلسطينية للقدس إضافةً إلى عمق الاختراقات الإسرائيلية للعالم العربي والإسلامي، كل ذلك جعل الإمام يجهد لاستنهاض المسلمين للقيام بواجب الجهاد لتحرير القدس وفلسطين، معتبراً أن قتال اسرائيل وإزالتها من الوجود هو واجب عقائدي وشرعي وديني وأخلاقي وإنساني.
* الجمهورية الاسلامية تبنت هذا الشعار بعد رحيل الامام الخميني ولا تزال ترفع رايته بقيادة الامام القائد السيد علي الخامنئي.. فماذا يعني ذلك على الصعيد الايديولوجي؟ وما هي الاثمان التي تدفعها الجمهورية الإسلامية والشعب الايراني العزيز لالتزامه بهذا الشعار قولا وممارسة؟
إن شعار تحرير القدس وفلسطين هو استجابة لتمنيات الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله، لأنها القبلة الأولى فضلاً عن أن القدس منبت الرسالات، وفيها وحدة الأديان السماوية والتقائها بالإسلام، إذن فالقدس مدينة الأنبياء وسكن لجميعهم والقدس وما حولها (ثغور إلى يوم القيامة) .
وبناءً على ذلك تحملت الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومنذ انطلاقتها ودعوتها لتحرير القدس كل الأعباء المطلوبة بشكل طوعي وإرادي لإيمان قادتها بالقضية فضلاً عن الشعب الإيراني المتحمس والمرتبط بالقضية، فلا عجب إذا دفعت الجمهورية الإسلامية الأثمان الكبيرة على حساب رفاهية شعبها، وعانت ولا تزال من العقوبات الغربية الأميركية خاصة فضلاً عن التشويه الإعلامي لسمعة الجمهورية والاتهامات الباطلة والتصنيف بالإرهاب وغير ذلك من محاولات التضليل وإثارة النعرات وحياكة المؤامرات ومحاولات التفجير الكثيرة في مدن إيرانية متعددة.
* لماذا اختار الامام رضوان الله عليه اخر جمعة من شهر رمضان المبارك يوما للقدس؟ وماذا يعني رفع قضية ارادها البعض سياسية الى هذا الحد من القداسة وربطها بالمقدس الاسلامي ؟
إن لقداسة شهر رمضان المبارك كشهر للتعبئة والجهاد في سبيل الله دوراً كبيراً وخاصة ليالي القدر المباركة فلا عجب أن يعلن الإمام في الثاني عشر من شهر رمضان عام 1399 هجري يوم القدس العالمي، وليس ذلك بالصدفة أن يعلن ذلك اليوم من آخر جمعة من شهر رمضان المبارك حيث ليالي القدر الإلهية المباركة. ليؤكد من خلال ذلك كله أن الإسلام ليس عبادة فحسب بل جهاد وتضحية وقتال للكفار والمستكبرين وليجعل من العقيدة باباً للصراع الحقيقي بين عقيدتين متناقضتين وهو صراع طويل لا ينتهي إلا بزوال إسرائيل من الوجود .
وكان من أهدافه جعل القضية أبعد من الفلسطينيين والعرب بل عمل على أسلمة القضية، كما اعتبر أن المواجهة أبعد من القدس لتشمل الاستكبار بكل عناوينه وأوجهه.
لذلك سعى الإمام لتعبئة الأمة للاستعداد الكبير من خلال الشهر المبارك لتشكيل أكبر طاقة فكرية ومعنوية لأعظم قضية سياسية لتكون للأمة قاعدة سياسية نابعة من جذورها.
وهكذا رفع الإمام القضية من السياسة إلى القداسة مع علمه ووعيه التام بوجود المقدسات العديدة الإسلامية وغيرها في القدس سواء المسجد الأقصى أو قبة الصخرة أو كنيسة القيامة وحائط البراق والمقبرة التي تضم رفات 70 ألف مسلم فضلاً عن مسجد سلمان وغير ذلك .
وفي هذا المجال نحن ندرك أن الصهاينة مزجوا السياسي بالديني من باب التحريف والتشويه فنرى بن غوريون يصرح بأنه (لا معنى لإسرائيل من غير القدس ولا معنى للقدس بغير الهيكل) .
كما صرح دايان بأنه (نحن اليهود لنا إرث في مكة والمدينة ) أما ليفي أشكول فقال ( أخذنا ثارات خيبر).
وكان الجنود الصهاينة يرددون (يوم كيوم خيبر ... محمد مات خلق بنات) وهذا منذ إعلان دولة الكيان الصهيوني عام1948.
وقد كشف ذلك الإمام عندما أعلن بالقول (هي جرثومة الفساد إسرائيل لن تكتفي بالقدس ولو أعطيت مهلة فإن جميع الدول الإسلامية ستكون في خطر ).
ومن يراجع التاريخ يعلم انه منذ العام 1967 أعلن اليهود تهويد القدس عبر مسيرة القدس وبعثات يهودية للتنقيب عن هيكل سليمان في صحن المسجد الأقصى، فيما الإرهاب الصهيوني المستمر لتفريغ المدينة وتدمير أحياء منها وإنشاء ساحات اليهود .
وفي العام 1969 عندما تم إحراق المسجد الأقصى قام شبيبة حركة كاخ العنصرية بإنشاد (سنفجر المسجد وسنغني أغنية جديدة وستشتعل النيران في المسجد ).
/انتهى/
تعليقك