وكالة مهر للأنباء: أكدت باحثة أرجنتينية في حوار مع وكالة مهر على هشاشة الوضع السياسي في "إسرائيل" والدور البارز للمحافظين الجدد في النظام السياسي الأمريكي، قائلة ان إشعال الحروب والاغتيالات ضد إيران لا يُنطلق من دوافع أمنية، بل من رغبة في الحفاظ على التفوق الجيوسياسي ومنع تنامي محور المقاومة وانضمام طهران إلى النظام العالمي متعدد الأقطاب. كما تنتقد أستا ازدواجية المعايير لدى المؤسسات الدولية، وصمت الغرب إزاء جرائم الحرب، ودور الإعلام السائد في تشويه الحقائق، وتدعو إلى ضرورة تشكيل جبهة مستقلة لمواجهة المشروع الإمبريالي الغربي. فيما يلي نص الحوار الكامل مع هذه المحللة الأرجنتينية:
سؤال: في الأيام الأخيرة، شهد العالم اعتداءات صهيونية سافرة على إيران وشعبها. برأيكِ، لماذا يرتكب هذا الكيان مثل هذه الجرائم بحق المدنيين العزّل في غزة ولبنان وإيران؟ وما العوامل التي تدفعه للاستمرار في هذه الاعتداءات، بما فيها الاغتيالات؟
يمكن القول إن لدى نتنياهو دوافع أساسية لشن الهجوم وتصعيد الحرب ضد إيران، هذه المرة بمشاركة مباشرة من الولايات المتحدة، التي لطالما لعبت دورًا داعمًا لـ"إسرائيل"، لكنها اليوم دخلت المواجهة عسكريًا. من بين هذه الدوافع: ضعف نتنياهو السياسي والقانوني، وهشاشة تحالفه الحكومي. من هذا المنظور، يبدو أن نتنياهو يرى في الحرب وسيلة حيوية للحفاظ على سلطته وبقائه السياسي.
على مستوى أعمق، تُعد إيران عائقًا رئيسيًا أمام مشروع "إسرائيل الكبرى"، كما أنها تُهدد احتكار "إسرائيل" للنووي في المنطقة. ومن جهة أخرى، فإن إدارة ترامب كانت تمرّ بأزمات داخلية حادة، مما منح "إسرائيل" فرصة ذهبية، خصوصًا بوجود تيارات صهيونية ومحافظين جدد يعتبرون السيطرة على غرب آسيا هدفًا استراتيجيًا، ويَرَون في "إسرائيل" ليس مجرد حليف، بل حجر الزاوية لتحقيق هذا الهدف.
سؤال: الكيان الصهيوني يدّعي استهداف البرنامجين النووي والصاروخي الإيراني، لكنه في الواقع يقصف مستشفيات وبُنى تحتية ومراكز إعلامية، ومعظم الضحايا من النساء والأطفال. كيف يمكن تفسير هذا التناقض؟ وما الهدف الحقيقي من هذه العمليات؟
الوضع الراهن يوضح بجلاء أن "إسرائيل" تسعى بشكل مستمر لمنع أي اتفاق نووي بين طهران وواشنطن. وبعيدًا عن السردية التي يروّج لها الكيان، فإن هذه الهجمات ليست لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي وهو ادعاء دحضته حتى وكالات الاستخبارات الأمريكية والوكالة الدولية للطاقة الذرية وفقًا لتقارير إعلامية بل الهدف الحقيقي هو منع إتمام اتفاق نووي، كان قد شهد ست جولات من المفاوضات بين إيران وأمريكا.
الشواهد المتعلقة بالجولة السادسة تؤكد هذا الواقع. كما ربطت "إسرائيل" لاحقًا هذه الادعاءات بدعوات لتغيير النظام في إيران، أي العودة إلى ما قبل ثورة عام 1979، حين كان نظام الشاه حليفًا للغرب و"إسرائيل".
سؤال: رغم توثيق الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية لجرائم الحرب الصهيونية، تواصل الدول الغربية دعمها السياسي والعسكري لهذا الكيان. لماذا هذا الصمت الغربي برأيك؟
نتنياهو يعلم جيدًا أن في إدارة ترامب هناك صهاينة ومحافظين جدد يدعمون مشروع "إسرائيل الكبرى" القائم على ضم الأراضي الفلسطينية ومواجهة إيران كعدو إقليمي أول. الهدف الأساسي للمحافظين الجدد في مشروع "القرن الأمريكي الجديد" وهو امتداد لمحاولات بدأت منذ عقود هو السيطرة على غرب آسيا، ما يمهّد لإعادة بناء الهيمنة الأمريكية عالميًا. هذا الهدف تجلى في عهد بوش من خلال الحروب على أفغانستان والعراق وغيرها.
البابا فرنسيس قال ذات مرة: "نحن نعيش حربًا عالمية ثالثة، لكن بشكل مجزأ، فصلًا تلو فصل". لفهم الوضع العالمي الحالي الذي يصفه البعض بـ"الحرب الهجينة" علينا أن نلاحظ كيف تقرأ الدوائر الغربية التغيرات الحاصلة في منطقة "الأفرو-أوراسيا"، حيث يتغير ميزان القوى تدريجيًا لصالح قوى تناهض المصالح الغربية. ضمن هذا الإطار، تلعب "إسرائيل" دور الحصن المنيع للغرب في المنطقة.
سؤال: الإعلام الغربي غالبًا ما يصور عمليات "إسرائيل" كدفاع عن النفس، متجاهلًا قتل المدنيين في غزة ولبنان وإيران، وعمليات الاغتيال. كيف ترين هذا الانحياز الإعلامي؟ وما السبيل لمواجهته؟
القبة الحديدية التي لطالما رُوّج لها على أنها لا تُقهر، أثبتت فشلها، مما خلق مفارقة غريبة: من يزعمون أنهم انتصروا في الحرب، لا يستطيعون الاحتفال في أرضهم، بل يعيشون الحزن والفقد.
كما ناقشنا سابقًا، لا يمكن فصل الإعلام عن موازين القوى. في أمريكا الجنوبية، حيث أعيش، تسود الروايات الأمريكية والبريطانية. ومع ذلك، ثمة دائمًا مصادر إعلامية بديلة تسعى لتقديم وجهات نظر أخرى ومعلومات أدق، مما يخلق توازنًا نسبيًا أمام الإعلام السائد.
ربما بفضل تطور تقنيات الاتصال، بات الوصول إلى أخبار المجازر التي تنتشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي أسهل من أي وقت مضى. وإنكار هذه الوقائع، خاصة في ظل الكارثة الإنسانية في غزة، يبدو فاضحًا وبغيضًا.
سؤال: برأيك، ما الهدف البعيد المدى من السياسات التوسعية والعدوانية لهذا الكيان؟ وما التهديد الذي يشكّله على جيرانه في المنطقة؟
كما ذكرت سابقًا، ميزان القوى في الشرق الأوسط يتغير لصالح قوى تُهدد المصالح الجيوسياسية للغرب. تتجه المنطقة بشكل متزايد نحو النظام العالمي الجديد، كما تمثل مجموعة "بريكس" تحديًا واضحًا لـ"إسرائيل" التي تتبع سياسات عدوانية.
على سبيل المثال، يُعد الاتفاق الدبلوماسي بين إيران والسعودية برعاية الصين تحولًا مهمًا. كذلك، انضمت إيران ومصر والإمارات إلى "بريكس"، والسعودية تدرس موقفها من المجموعة. كما أن تركيا تُعد شريكًا نشطًا في "بريكس". إضافة إلى ذلك، هناك اتفاقات استراتيجية بين إيران وروسيا، واتفاقيات مع الصين في مجالات البنية التحتية والنفط والصناعة. أيضًا، تلعب منظمة شنغهاي للتعاون دورًا محوريًا.
من هنا، تسعى هذه المنطقة باعتبارها مركزًا لوجستيًا عالميًا ومنتجًا رئيسيًا للنفط والغاز إلى لعب دور حيوي في تشكيل النظام العالمي الجديد، بينما يبدو أن "إسرائيل"، المتحالفة مع المحافظين الجدد، مصممة على خوض الحرب لإيقاف هذه التحولات.
سؤال: ما هو رد فعلك الشخصي على الاعتداءات الأخيرة ضد إيران وقتل المدنيين؟ وما هي رسالتك للناس؟
أنا أدين بشدة هذه المجازر، وأؤمن بأن أي نقاش جيوسياسي لا بد أن يركز على البعد الإنساني فالموضوع هنا يتعلق بأرواح بشرية ثمينة. البعد الأخلاقي غائب تمامًا عن حسابات أولئك الذين يدفعون نحو الحرب، بينما تستمر أعداد الضحايا في التصاعد، مما يكشف نفاقًا فاضحًا.
كما حدث مع المدنيين الإيرانيين، يجب أن تدفع الكارثة الإنسانية في غزة العالم إلى وقفة تأمل وتحرك فاعل. قرار "إسرائيل" بمنع دخول المساعدات الإنسانية هو شكل آخر من أشكال الحرب. بل إن صحفيين عديدين قُتلوا مجددًا لإخفاء الحقائق وتشويه الرواية الحقيقية.
سؤال: الولايات المتحدة تواصل استخدام الفيتو ضد قرارات الأمم المتحدة التي تدين جرائم "إسرائيل". هل تعتقدين أن سياسات واشنطن تُغذي استمرار هذا العدوان؟ وكيف يمكن محاسبة الطرفين؟
"إسرائيل" هي الحصن الجيوسياسي للغرب في المنطقة، وهناك قناعة لدى بعض الأطراف بأن توازن القوى آخذ في التغير بطريقة تُهدد مصالحهم.
ولا يمكن فهم الفيتوهات في الأمم المتحدة بمعزل عن هذا المشهد الأوسع، الذي يعكس تراجع القوة الاقتصادية والعسكرية الأمريكية. هذا التراجع، وإن لم يكن نهائيًا، إلا أنه واضح. وهو يفسر سياسات مثل فرض الرسوم الجمركية، وتصعيد التوتر مع الصين، والزيادة الهائلة في ميزانية البنتاغون وتوسيع الناتو.
إذا انطلقنا من فرضية الحرب العالمية الهجينة، سنجد أن عناصر عدة تتماشى مع منطق أفول الهيمنة الأمريكية، و"إسرائيل" ليست سوى امتداد لهذه الاستراتيجية. التعددية القطبية لم تعد مجرد أمنية، بل أصبحت واقعًا عمليًا. النظام الأحادي الذي تقوده أمريكا ينهار ليس فقط بفعل صعود قوى منافسة، بل بسبب التناقضات الداخلية والاتساع الإمبريالي الذي ميّز العقود الأخيرة.
سؤال: الكيان الصهيوني يمتلك أسلحة نووية غير قانونية وخارج رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومع ذلك يهاجم إيران بذريعة المخاوف النووية. أليس هذا نموذجًا صارخًا للازدواجية في المعايير الدولية؟ وكيف يجب على المجتمع الدولي التعامل مع هذا النفاق؟
منذ ثورة 1979، كانت إيران العدو الأول لـ"إسرائيل" في المنطقة. كما ذكرت، تسعى "إسرائيل" بأي ثمن لمنع التوصل إلى اتفاق نووي بين إيران وأمريكا. بالفعل، في 2018 انسحبت الولايات المتحدة من مفاوضات متعددة الأطراف بشأن البرنامج النووي الإيراني.
من الواضح أن هناك تناقضًا صارخًا: "إسرائيل" لا تخضع لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بينما تُفرض هذه الرقابة على دول أخرى.
في هذه المرحلة، من الضروري إعادة النظر في فاعلية الآليات الدولية التي أُنشئت بعد الحرب العالمية الثانية. نحن بصدد دخول عصر جديد من التحولات الجيوسياسية، ولا يمكن تجاهل هذا الواقع.
أكرر هذه النقطة لخطورتها في أي نقاش جاد حول المجتمع الدولي ونفاقه. هناك ثلاث مناطق رئيسية تشهد صراعات مترابطة، تقع جميعها في أوراسيا. التراجع الاقتصادي والتكنولوجي الأمريكي الناجم جزئيًا عن المنافسة مع الصين ودول أخرى وصعود قوى جديدة مثل "بريكس"، كلها تفسر الاستراتيجيات العسكرية الأمريكية.
كما أوضحت، التطورات الجارية تتماشى مع منطق أفول الهيمنة الأمريكية، سواء في غرب آسيا، أو أوكرانيا، أو التوتر مع الصين حول تايوان. رغم وجود تحولات في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، يبقى التركيز على أوراسيا بسبب تدخل القوى العظمى وأهمية المنطقة في تشكيل النظام العالمي المقبل.
/انتهى/
تعليقك