وكالة مهر للأنباء_ د.نجيبة مطهر: في خطوة تصعيدية خطيرة، اغتالت "إسرائيل" القائد البارز في حزب الله هيثم علي الطباطبائي (أبو علي) داخل الضاحية الجنوبية لبيروت،
العملية تعكس تحولًا في استراتيجيات الاحتلال، التي تختبر قدرة حزب الله على الرد وتعيد رسم معادلات القوة في لبنان، بينما يبقى مفتاح الردع الاستراتيجي تحت اختبار دقيق وسط توتر متصاعد. اغتيال الطبطبائي داخل الضاحية يعكس تحولًا في النهج "الإسرائيلي"، حيث أصبحت الساحة اللبنانية مسرحاً لعمليات مفتوحًة ولم تعد الأعراف التي حكمت الجبهة الشمالية منذ 2006 سارية.
الضربة نفذت بدقة وبناءً على معلومات استخباراتية دقيقة، مستهدفة شخصية استراتيجية مرتبطة بالعمليات الخاصة وإدارة ملفات حساسة، وهو ما يجعلها تجاوزًا للبعد التكتيكي إلى محاولة لضرب العمود الفقري للقدرة العملياتية للحزب، أو على الأقل اختبار ردوده وحدود تحمّله للتصعيد.
فالعملية، التي استهدفت أحد أبرز القادة العسكريين في “قوة رضوان”، لم تكن مجرد ضربة محدودة، بل رسالة سياسية وأمنية واضحة مفادها أن "إسرائيل" قررت الانتقال إلى مرحلة فرض قواعد اشتباك جديدة تتجاوز الأعراف السابقة، محاولة إعادة رسم خطوط القوة في لبنان والمنطقة. وهو تطورًا خطيرًا في مسار المواجهة بين الحزب و"إسرائيل"، ويضع لبنان أمام واحدة من أكثر اللحظات حساسية منذ حرب تموز 2006. وهذه المرة جاءت ضمن سلسلة من الضربات والاغتيالات التي نفذتها "إسرائيل" في الأشهر الأخيرة، في إطار مسار تصعيدي يهدف إلى:
• استهداف القيادات داخل العمق اللبناني.
• نقل المعركة من الحدود إلى قلب المناطق المدنية.
• فرض إيقاع تصعيد تتحكم به إسرائيل وحدها.
• اختبار قدرة حزب الله على ضبط ردوده.
بهذا، تقول "إسرائيل" ضمنيًا: “نحن من نحدد الخطوط الحمراء… لا قواعد اشتباك بعد اليوم”. لكنها تتجاهل أن مثل هذا النهج قد ينعكس سلبًا على مصالحها، سياسيًا واستراتيجيًا، على المدى المتوسط والبعيد. متناسية ان حزب الله يولد قادة جدد بسرعة، محافظة على قوته واستمراريته الاستراتيجية.
واغتيال شخصية بحجم الطبطبائي لا يضعف حزب الله سياسيًا، بل يعزز موقفه الداخلي ويمنحه شرعية إضافية باعتباره خط الدفاع الأول عن لبنان في ظل غياب الدولة. كما يعمّق قناعة محور المقاومة بأن "إسرائيل" تحاول تغيير المعادلة بالقوة، ما يدفعه إلى توحيد خطوطه السياسية والعسكرية. لذلك حزب الله أمام خيار معقد:
اما السكوت الذي قد يمنح "إسرائيل" الضوء الأخضر للمزيد من الاغتيالات،
او الرد العنيف الذي قد يجر لبنان إلى مواجهة شاملة لا يريدها أحد. المعطيات تشير إلى أن الحزب سيتجه نحو رد محسوب، يحفظ معادلة الردع دون الانزلاق إلى حرب واسعة. وللاسف في خضم هذه الصراعات نجد لبنان خارج القرار، فهذا الاغتيال كشف هشاشة الدولة اللبنانية، التي تجد نفسها مرة أخرى خارج دائرة القرار الأمني، في دولة هشّة لا تستطيع حماية نفسها، بينما "إسرائيل" تحاول عرض نفسها كطرف المسيطر تكتيكيًا، مدعومًا بالقوة الاستخباراتية الأميركية، لكنها تفتقر إلى القدرة على الحسم الكامل، خوفًا من توسع الجبهة الشمالية وتداعياتها الداخلية. البلاد تواجه اختراقات إسرائيلية متزايدة، مقابل انقسام داخلي حول دور المقاومة وموقع لبنان في الصراع الإقليمي.
الصراع اليوم ليس اغتيالات فحسب، بل معركة توازنات كبرى: "إسرائيل" تمتلك القدرة على الضرب، وحزب الله يمتلك مفاتيح الردع الاستراتيجي. النتيجة: لا طرف يسيطر بالكامل، ولا طرف مستعد للتراجع. الأيام المقبلة قد تحدد شكل الجبهة الشمالية وقواعد الاشتباك في لبنان ومنطقة غرب آسيا لسنوات طويلة.
من يملك زمام المبادرة؟
إسرائيل: تملك المبادرة التكتيكية عبر:
• اغتيالات دقيقة.
• ضربات عسكرية في العمق اللبناني.
• حرب نفسية وإعلامية لإظهار التفوق الاستخباراتي.
لكنها تفتقر إلى القدرة على الحسم النهائي بسبب:
• خوفها من توسع الجبهة الشمالية.
• الفشل في حسم صراعات أخرى مثل غزة بسرعة.
• التبعية العميقة للولايات المتحدة وهشاشة الجبهة الداخلية.
حزب الله: يمتلك المبادرة الاستراتيجية عبر:
• ترسانة صاروخية هائلة وخبرته في إدارة صراع طويل.
• القدرة على إشعال الجبهة الشمالية في أي وقت.
• امتداد إقليمي ضمن محور المقاومة، وفرض أثمان باهظة لأي حرب مستقبلية.
الخلاصة
الصراع بين "إسرائيل" وحزب الله اليوم ليس مجرد اغتيالات، بل معركة توازنات كبرى. "إسرائيل" تمتلك القدرة على الضرب، لكنها تفتقر إلى القدرة على الحسم الكامل. وحزب الله يتلقى الضربات لكنه ما زال يحتفظ بمفاتيح الردع الاستراتيجي.
الأيام المقبلة ستكون حاسمة، وقد تحدد شكل الجبهة الشمالية وفعل الردع في لبنان لسنوات طويلة، وسط مرحلة جديدة من قواعد الاشتباك في المنطقة، أكثر تعقيدًا وأقرب إلى الانفجار في أي لحظة.
مجلس الأمن قد يمثل الحارس الدولي للقرار في لبنان، لكنه يواجه واقعًا صعبًا بسبب ضعف الدولة اللبنانية وهشاشة حكومتها، ما يجعل الحل مرتبطًا أساسًا بإعادة بناء مؤسسات الدولة وضبط السلاح والقرار الأمني داخله، لا بالحلول الدبلوماسية وحدها.
ملاحظة: معلومات المقال تعبر عن رأي الكاتبة المحترمة وليس بالضرورة أن تكون تعبيراً عن رأي الوكالة.
/انتهى/
تعليقك