وكالة مهر للأنباء- قسم السياسة: تشكل السيطرة على المجال الجوي أحد الركائز الأساسية في الحروب الحديثة لتحقيق التفوق الاستراتيجي والعسكري. ويُعد الدفاع الجوي درعًا حيويًا لمواجهة التهديدات الجوية والصاروخية والطائرات المسيرة، حيث يلعب دورًا محوريًا في حماية الحدود والبنى التحتية الحيوية، مثل السدود والخزانات المائية والمستشفيات والمطارات والمنشآت العسكرية والأمنية والنووية، إلى جانب المنشآت الصناعية والمصافي والموانئ وغيرها.
ومع التطور المتسارع في تقنيات الهجوم، مثل المقاتلات الشبحية والطائرات المسيرة المتقدمة والصواريخ الباليستية والكروز، إضافة إلى الحرب الإلكترونية، باتت الحاجة إلى منظومات دفاع جوي ذكية ومتكاملة ومتعددة الطبقات أكثر إلحاحًا. وقد كشفت الحروب الأخيرة في غرب آسيا، بما في ذلك العدوان الصهيوني على غزة ولبنان وسوريا، إضافة إلى النزاع بين أذربيجان وأرمينيا في القوقاز والحرب بين روسيا وأوكرانيا، أهمية امتلاك أنظمة دفاع جوي متطورة قادرة على مواجهة التهديدات المختلفة. كما أثبتت عمليات "الوعد الصادق 1 و2" والنجاح الكبير للقوات الجوفضائية التابعة للحرس الثوري في استهداف مواقع عسكرية في الأراضي المحتلة أن حتى القوى العسكرية الكبرى التي تمتلك أنظمة دفاع متقدمة، مثل "القبة الحديدية" و"مقلاع داوود" ومنظومات "آرو"، لا تزال تعاني من نقاط ضعف في مجال الدفاع الجوي.
وباعتبارها دولة ذات موقع جيوسياسي حساس وتجربة سابقة في الحرب المفروضة، استثمرت إيران بشكل كبير في تطوير منظومات دفاع جوي محلية، ما جعلها اليوم واحدة من القوى الإقليمية والعالمية البارزة في هذا المجال.
أهمية الدفاع الجوي في الحروب الحديثة
- التصدي للتهديدات متعددة الطبقات: أظهرت الحروب الأخيرة، مثل النزاعات في أوكرانيا وروسيا والقوقاز، أن ساحة المعركة أصبحت مزيجًا من الطائرات المسيرة والصواريخ والهجمات الإلكترونية والسيبرانية. لذا، يجب أن يتمتع الدفاع الجوي الحديث بقدرة على تتبع الأهداف واعتراضها على مختلف الارتفاعات، سواء العالية أو المتوسطة أو المنخفضة.
- حماية البنية التحتية الحيوية: تظل المنشآت النووية والمصافي ومراكز القيادة والمدن عرضة للهجمات الجوية، مما يجعل الدفاع الجوي عنصرًا أساسيًا في تأمين هذه المواقع الاستراتيجية.
- تعزيز عامل الردع: امتلاك أنظمة دفاع جوي متطورة يزيد من تكلفة أي هجوم محتمل على الخصم، مما يجعله وسيلة فعالة للردع.
- التكامل مع الحرب الإلكترونية والسيبرانية: لم يعد الدفاع الجوي يعتمد فقط على المعدات المادية، بل أصبح متشابكًا مع أنظمة الرادارات المضادة للتشويش وتقنيات الحرب الإلكترونية والهجمات السيبرانية.
قدرات إيران في مجال الدفاع الجوي
نجحت إيران، رغم العقوبات، في تطوير أنظمة دفاع جوي متقدمة بالاعتماد على المعرفة المحلية. ومن بين أبرز إنجازاتها:
1.أنظمة الصواريخ بعيدة ومتوسطة المدى:
- منظومة باور 373 (Bavar-373): تُعد هذه المنظومة المحلية المعادل الإيراني لنظام "إس-300" الروسي، حيث تمتلك قدرة على اعتراض الأهداف على مسافة تتجاوز 300 كيلومتر وارتفاع يصل إلى 32 كيلومترًا، مما يمنحها تغطية جوية واسعة.
- منظومة 15 خرداد (Khordad 15): تتمتع بمدى عملياتي يصل إلى 120 كيلومترًا، وهي قادرة على رصد وتدمير 6 أهداف جوية في آنٍ واحد، بما في ذلك المقاتلات الشبحية من الجيل الخامس مثل F-35.
- منظومتا رعد (Raad) و 3 خرداد: تم تصميمهما للتعامل مع التهديدات على المديات المتوسطة والقصيرة، وقد أثبتتا كفاءة عالية خلال المناورات العسكرية.
2. شبكة الرادارات المتكاملة:
- رادارات ثلاثية الأبعاد مثل قدير، الذي يتمتع بمدى 1100 كيلومتر، ومرصاد، الذي يصل مداه إلى 450 كيلومترًا، وكلاهما قادر على رصد الأهداف الشبحية والطائرات المسيرة الصغيرة.
- رادارات محمولة مثل فجر وكاشان-2، التي صُممت للنشر السريع في المناطق الحدودية لتعزيز القدرات الدفاعية.
3. الطائرات المسيرة الدفاعية:
تمتلك إيران طائرات مسيرة مثل مهاجر، كرار وأبابيل، والتي تُستخدم في عمليات الاستطلاع، أو كأهداف وهمية لخداع العدو، أو حتى كمنصات قتالية لمهاجمة الأهداف الجوية المعادية.
4. الحرب الإلكترونية والسيبرانية:
حققت إيران تقدمًا كبيرًا في تطوير أنظمة التشويش على الرادارات وتعطيل أنظمة الملاحة المعادية، بما في ذلك أنظمة GPS، مما يعزز قدرتها على تعطيل عمليات العدو الجوية وتقليل دقة هجماته.
المناورات الأخيرة والاختبارات الميدانية
خلال الأشهر الماضية، نفذ الجيش الإيراني وحرس الثورة الإسلامية، تحت إشراف شبكة الدفاع الجوي المتكاملة وقيادة مقر "خاتم"، عدة مناورات دفاعية، كان أبرزها مناورة الاقتدار للدفاع الجوي 1403.
وفي هذه المناورة:
- خضعت منظومات باور 373، خرداد 15، ورعد لاختبارات ميدانية في ظروف تشغيلية مختلفة، بما في ذلك العمليات الليلية والطقس السيئ.
- تمت محاكاة هجمات مركبة شملت الطائرات المسيرة الخفيفة والثقيلة، والصواريخ الباليستية وصواريخ كروز.
- تم استعراض مستوى التنسيق بين القوات الجوية ووحدات الطائرات المسيرة والدفاع الجوي.
- جرى استخدام أهداف طائرة محاكية بقدرات شبيهة بالمقاتلات من الجيل الخامس (مثل F-35) لاختبار أداء أنظمة الرادار والصواريخ.
هذه المناورات لا تعزز فقط الجاهزية العملياتية لإيران، بل تحمل أيضًا رسالة ردع واضحة للخصوم الإقليميين والدوليين.
النتيجة
عبر تبني استراتيجية "الدفاع الهجومي" وتطوير منظومات محلية، عززت إيران مكانتها كقوة دفاعية بارزة في الشرق الأوسط. القدرات المتطورة، مثل منظومة باور 373، وشبكة الرادارات الحديثة، ودمج الطائرات المسيرة في الدفاع الجوي، تعكس مستوى التقدم التكنولوجي الذي حققته البلاد. ومع ذلك، فإن الحفاظ على هذا التفوق يتطلب استثمارات مستمرة في التقنيات الحديثة، كالذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، إلى جانب تعزيز التعاون الإقليمي. وفي حروب المستقبل، لن يكون الدفاع الجوي مجرد درع دفاعي، بل أداة رئيسية في إعادة تشكيل المعادلات الأمنية.
لمحة عن المناورات الأخيرة لقوات الدفاع الجوي للجيش
مناورة الاقتدار للدفاع الجوي 1403
في إطار سلسلة المناورات التي تنفذها القوات المسلحة الإيرانية، انطلقت المرحلة الثانية من مناورة الاقتدار للدفاع الجوي 1403 فجر يوم الثلاثاء 4 فبراير، بقيادة قوات الدفاع الجوي للجيش الإيراني، في مناطق جنوب ووسط البلاد. ووفقًا لما أعلنه مسؤولو الجيش، شاركت في هذه المناورة أنواع مختلفة من الأنظمة الصاروخية والمدفعية والرادارية، بالإضافة إلى أنظمة الرصد الإلكتروني والإشارات، والمعلومات الاستخباراتية، والاستطلاع والمراقبة، وذلك تحت إدارة شبكة الدفاع الجوي المتكاملة.
خلال المناورة، التي جرت في مناطق جنوب غرب ووسط إيران، تم تنفيذ عمليات الاكتشاف، والتعرف، والتتبع، والاشتباك، وتدمير الأهداف المعادية. واستخدمت قوات الدفاع الجوي معدات رادارية محلية الصنع وشبكة مراقبة واسعة النطاق لتحديد الأهداف الهجومية المحتملة.
كما لعبت مراكز القيادة والسيطرة دورًا محوريًا في إدارة العمليات، حيث اعتمدت على أنظمة الرادار النشطة والسلبية المتقدمة محليًا، إلى جانب تقنيات الرصد الإشاري والبصري الإلكتروني، لمراقبة منطقة المناورة بشكل دقيق. وبمجرد اكتشاف أي هدف معادٍ، يتم تفعيل أنظمة القيادة والسيطرة الذكية، والتي تقوم بتحديد المنظومة الدفاعية المناسبة واعتمادها لمواجهة التهديدات المحتملة.
التصدي للطائرات المُسيّرة الانتحارية – نجاح إطلاق صواريخ "مجيد" جنوب غرب البلاد
في المرحلة الثانية من مناورة الاقتدار للدفاع الجوي 1403، نجحت قوات الدفاع الجوي للجيش الإيراني في مواجهة هجوم جوي مكثف بطائرات مسيّرة منخفضة الارتفاع، وذلك عبر استخدام شبكة المراقبة البصرية التي رصدت وأبلغت عن التهديدات ضمن منظومة القيادة والسيطرة للدفاع الجوي.
وبعد اكتشاف وتحديد أنواع الطائرات المسيّرة المعادية، تصدت لها منظومة الصواريخ "مجيد"، حيث تمكنت من إصابة الهدف وتدميره بنجاح في أجواء منطقة المناورة.
كما تضمنت هذه المرحلة من المناورة اختبارات للتأكد من سلامة وتأمين قنوات الاتصال بين الأنظمة الدفاعية ومراكز القيادة والسيطرة في شبكة الدفاع الجوي المتكاملة، إضافة إلى تنفيذ إجراءات مضادة ضد الهجمات السيبرانية التي تستهدف الأنظمة الرادارية والصاروخية وأنظمة الاتصالات.
تدمير هدف معادٍ بصاروخ "جوشن"
خلال المناورة، تمكنت منظومة "جوشن" الصاروخية متوسطة الارتفاع من إصابة وتدمير هدف معادٍ بنجاح، بعد أن تم تحديده من قبل شبكة الدفاع الجوي المتكاملة.
فور تنفيذ الطائرات المعادية الافتراضية هجومًا على منطقة المناورة، قامت الأنظمة الرادارية برصد الأهداف، ليتم نقل بياناتها إلى منظومة "جوشن"، التي أطلقت صاروخًا أصاب الهدف وأسقطه.
وتعتمد منظومة "جوشن" على رادار قوي سلبي (غير نشط)، مما يتيح لها اكتشاف الأهداف دون إصدار إشعاع راداري، وبالتالي توجيه الصواريخ نحو الهدف وتدميره. وتوفر التقنيات الرادارية السلبية ميزة كبيرة للمنظومات الدفاعية، حيث تجعل من الصعب على العدو تحديد مواقعها واستهدافها، مما يزيد من فاعليتها في العمليات القتالية.
إسقاط هدف بعيد المدى بصاروخ "باور 373" – تعاون عملياتي بين "باور" و "إس-300"
في المرحلة الختامية من مناورة الاقتدار للدفاع الجوي 1403، نجحت منظومة "باور 373" الاستراتيجية، المتخصصة في الدفاع الجوي بعيد المدى، في تدمير أهداف معادية على ارتفاعات شاهقة.
فجر يوم الأربعاء، وخلال المرحلة الأخيرة من المناورة، تلقّت منظومة "باور 373"، التابعة لقوات الدفاع الجوي للجيش الإيراني، بيانات الأهداف من شبكة الدفاع الجوي المتكاملة، حيث أطلقت صاروخًا أصاب الهدف وأسقطه.
وخلال هذا الجزء من المناورة، نفّذت الطائرات المعادية الافتراضية هجومًا على منطقة المناورة في صحراء وسط إيران، مما دفع منظومة "باور 373" إلى الاشتباك مع الهدف وإسقاطه بنجاح.
من أبرز الجوانب التي ميّزت المناورة كان التشغيل المتزامن والتكامل العملياتي بين منظومتي "إس-300" و"باور 373"، حيث عملت المنظومتان معًا للتصدي للأهداف الجوية على ارتفاعات شاهقة، مما عزز من قدرات الدفاع الجوي الإيراني في التعامل مع التهديدات المتقدمة بعيدة المدى.
/انتهى/
تعليقك