وكالة مهر للأنباء: اليوم الحادي عشر من ذي القعدة هو ذكرى ولادة الإمام الثامن المبارك الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام). وفي عهد الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، وخاصة في إمامة الإمام الرضا عليه السلام التي استمرت من سنة 183هـ إلى سنة 203هـ، كانت الأرضية مهيأة بشكل أفضل لإبراز قضية عصمة أهل البيت (عليهم السلام). لقد خطى الإمام السابع (عليه السلام) خطوات واسعة في خدمة الإسلام والأمة الإسلامية، سواء في عهد والده الجليل الإمام الكاظم (عليه السلام) أو خلال هذه الفترة الممتدة لعشرين عاماً، واتخذ خطوات كان لها دور أساسي في التعريف بفكرة الإمامة وفهم الإسلام والقرآن بشكل أفضل. إن الشخصية الروحية والإلهية، والنشاطات العلمية والتربوية، والجهود الاجتماعية، والأعمال السياسية للإمام الرضا (ع)، وربما النشاط العسكري لأتباعه في مختلف أنحاء البلاد الإسلامية العظيمة في عهد ذلك الرجل العظيم، كل منها نشر جانباً من الفكر التوحيدي والخيري.
وفي هذه المناسبة، قمنا بمقابلة مع حجة الإسلام أمير علي حسنلو، أستاذ الحوزة العلمية ومدير قسم التاريخ والسيرة في مركز الدراسات والرد على الشبهات في الحوزات العلمية، ويمكنكم قراءة النتائج أدناه:
*ما هي النصيحة التي قدمها الإمام الرضا (ع) لحياة أفضل وأسعد؟
إن حياة الإمام الرضا (ع) بأكملها وكلماته وتراث الأحاديث للإمام والأئمة الآخرين هي مرآة لتحسين حياة الإنسان وتحقيق سعادته. ومن وصايا الإمام الرضا (عليه السلام) لتحسين الحياة كثرة الدعاء. لقد أوصى الإمام الرضا (عليه السلام) أصحابه مراراً وتكراراً بالاستعانة بالله، وقال لهم: «اتخذوا سلاح الأنبياء، واستعيذوا». ونصحوا أيضًا بالصلاة السرية. أوصى الإمام الرضا (عليه السلام) أصحابه بإخفاء صلاتهم، وقال: ينبغي للرجل أن يخبر سيده بأمره سراً حتى لا يطلع عليه أحد. هذه الطريقة أقرب إلى الامتثال. وقال في موضع آخر: صلاة العبد السرية تعدل سبعين صلاة علنية.
ان الصدق والإخلاص أفضل من سائر نصائح الامام الرضا عليه السلام لنيل الحياة. فمثلاً في رسالة إلى عبد العظيم الحسني الذي نصحه بنصيحة مهمة جداً: أبلغْ عنّی أولیائی السلامَ وقل لهم: أن لا یجعلوا للشیطان علی أنفسهم سبیلاً، ومُرْهم بالصدق فی الحدیث وأداء الأمانة، ومُرْهم بالسکوت وترک الجدال فیما لا یَعْنیهم، وإقبالِ بعضهم علی بعض والمُزاوَرة، فإنّ ذلک قربة إلیّ. ولا یشغلوا أنفسهم بتمزیق بعضهم بعضاً، فإنّی آلیتُ علی نفسی أنّه مَن فعل ذلک وأسخط ولیّاً من أولیائی دعوتُ الله لِیعذّبه فی الدنیا أشدّ العذاب، وکان فی الآخرة من الخاسرین. وعرِّفْهم أنّ الله قد غفر لمحسنهم، وتجاوز عن مسیئهم، إلاّ مَن أشرک به أو آذی ولیّاً من أولیائی أو أضمر له سوءً، فإنّ الله لا یغفر له حتّی یرجع عنه، فإنْ رجع وإلاّ نُزع رُوح الإیمان عن قلبه، وخرج عن ولایتی، ولم یکن له نصیب فی ولایتنا، وأعوذ بالله من ذلک. «الاختصاص، شیخ مفید، صفحه ۲۴۱».
ويجب التأكيد على أن الإخلاص هو الصدق. وقد بين الله والرسول (ص) وإمام القرآن الكريم أن أهم الوصايا هي الصدق والبر. وفي هذا الصدد يوضح الإمام الرضا (عليه السلام) إحدى أهم التوصيات للحياة السعيدة وهي الصدق؛ وكان جدياً كجد الإمام الباقر (عليه السلام) الذي قال: قبل أن تتكلموا فليكن صدقاً. أداء الأمانة من الصفات التي أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم لحياة سعيدة، فالمؤمن لا بد له من إيمان، وصاحب الإيمان مؤمن، وفاجر، ومشرك، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم معروفًا بالأمانة بين المشركين قبل نبوته، فقد استأمنه المشركون على أموال إضافية، فسلمها سرًا إلى علي عليه السلام بعد الهجرة ليرد الامانة الى أصحابها.
ومن وصايا الامام لعبد العظيم حسني أيضاً أن يلتزم الصمت؛ لأن هذه النصيحة كانت موجودة في حياة جميع القديسين الإلهيين؛ الصمت ثمرة العقل والدين. الصمت يفتح باب الحكمة للمؤمن ويحميه من الآفات العظيمة. ومن وصايا الإمام الرضا (ع) تجنب الجدل وتجنب الخلاف وعدم الإيذاء واللطف وتجنب الشر.
*ما هي الصفات الأخلاقية البارزة التي كان يتحلى بها الإمام؟
أولاً، التواضع. ومن أبرز صفات الامام الرضا (ع) الأخلاقية هي أنه كان عطوفا جدا. لقد كان في قمة اللطف. لقد كانت هذه الصفة من صفات الامام محسوسة وملموسة لدى الجميع؛ تواضع الإمام مع أنه نبع العلم والحكمة؛ ولكن تواضع الإمام وتواضعه لا نجده في أحد في عصره؛ ومن أبرز مظاهر هذه الصفة فيه تناوله الطعام مع عبيده وخدمه، وإكرامهم وإعطائهم الشخصية. لقد كان هذا الأسلوب الذي اتبعه الإمام، مع كونه أسلوباً تربوياً، من أبرز رموز التواضع والحياء التي ظهرت في شخصية الإمام. في حين أن نبلاء الامام من خلفاء وغيرهم لم يعتبروا العبيد والإماء على مستوى البشر، فضلاً عن مشاركتهم الطعام.
ومن صفات الإمام الرضا (ع) أيضاً عبادته وتقواه. ومن أبرز فضائل الإمام الرضا (عليه السلام) إخلاصه لله تعالى ورغبته إليه. وتظهر هذه الفضيلة جلية في عباداته التي تقوم على الخوف والتقوى، وهي جزء مهم من حياته الروحية. كان الإمام الرضا (عليه السلام) أتقي أهل زمانه وأكثرهم طاعة لله تعالى.
وكان الزهد والحياة البسيطة من السمات الأخلاقية البارزة الأخرى التي تميز به. وكان كجده أمير المؤمنين (عليه السلام) من أزهد أهل عصره، وعاش حياة زهدية بسيطة. "قال محمد بن عباد" في وصفه زهد الإمام الرضا (ع) وإهماله للدنيا: كان الإمام الرضا (ع) يجلس على الحصير في الصيف، وكان فراشه في الشتاء الصوف الخشن القاسي، وكان لباسه الصوف، وكان إذا خرج إلى الناس لبس الثياب الفاخرة الأنيقة". وفي يوم من الأيام جاء سفيان الثوري لزيارة الإمام (عليه السلام). وكان الإمام (عليه السلام) يلبس ثوباً من الفرو. فرأى سفيان أن ذلك الثوب لا يليق بالإمام (عليه السلام) فقال له: لو لبستَ ثوباً أيسر من هذا لكان خيراً لك. فأخذ الإمام (عليه السلام) يدي سفيان برفق فأدخلهما في كمه. فأدرك سفيان أن الإمام (عليه السلام) يرتدي تحت ذلك الثوب الفاخر معطفاً من الفرو. ثم قال الإمام (عليه السلام): يا سفيان، إنما لبستُ هذا الفرو من أجل الناس، ولبستُ هذا الفرو من أجل الله.
وأيضاً من مميزات الإمام أن بيته كان مفتوحاً للناس كافة. ولما تولى الإمام (ع) ولاية العهد تجنب مظاهر السلطة، ولم يعدها حجراً يرفع، ولم يبد ميلاً إلى أي مجالس رسمية وأعرض عنها، بل وجدها منفرة، ورآها منفرة لتعظيم الناس للملوك والحكام. وكان باب بيت الإمام الرضا (ع) مفتوحاً أيضاً أمام الراغبين به، وباستثناء الأيام الخاصة، كان العشرات من الناس يقصدون بيت الإمام (ع) يومياً طلباً لحل مشاكلهم. وقد حل الإمام المشاكل العلمية ومشاكل الفقراء والمحتاجين سواء في المدينة أو في مرو أو في عهده. ولذلك كان الجمهور يزور الإمام بكثرة، مسلمين وغير مسلمين. وكان باب البيت مفتوحا للجميع. وقد أثار هذا التصرف من الإمام غيرة المأمون فقرر أن يحد من زياراته لبيت الإمام. ولذلك عيّن ضباطاً لمراقبة ومنع الناس من زيارة المنطقة المحيطة بمنزل الإمام.
*كيف كانت منهجيته التربوية في التعامل مع أبنائه وأتباعه؟
لقد كان للإمام الرضا (ع) ابنًا كان قدوة لا بديل لها. وكان من حيث العلم والحكمة الابن الوحيد للإمام وخليفته، وقد نال الإمامة في صغره. من وجهة نظر الدين فإن تربية الأبناء تبدأ قبل الولادة؛ لذلك فإن التوصية الصارمة بالحصول على دخل حلال وطعام حلال وخلفيات وخلفيات تعليمية شرعية في الحياة مهمة جدًا. ومن وجهة نظر الإمام الرضا (ع) فإن تربية الطفل يجب أن تبدأ قبل ولادته. وحتى أن قداسته لديه توصيات بشأن الأطعمة المناسبة. وقد كتبت بعض هذه الأوامر السماوية في كتابي (مبادئ اللباس والتغذية في حياة الإمام الرضا (ع).
ويمكن أن نذكر عدة أمثلة على منهج الامام وسلوكه وأقواله في تربية الأبناء، ومن ذلك اختيار الاسم الحسن. في مجتمعنا اليوم لا تحظى التسمية بالاهتمام والأهمية الكبيرة. وللأسف فإن بعض الآباء والأمهات يختارون لأطفالهم أسماء غير لائقة وسيئة المعنى، حتى أسماء حيوانات وأسماء لا تعتبر حضارية عند المسلمين.
وهذه في حد ذاتها مرحلة من مراحل التربية، لأن اختيار الاسم الجيد هو خطوة نحو بدء حياة حيث سيتم مناداتهم بهذا الاسم بشكل مستمر. إذا تم اختيار اسم سيئ، فهو نوع من تلقين الشر، وإذا كان الاسم جيدًا، فهو أساس للتربية الجيدة. مع أن التدريب ليس كله في هذه المرحلة، إلا أن للإمام تأثيراً. ومن توصيات الإمام الأخرى فيما يتعلق بالأطفال: الرضاعة الطبيعية، وبدء التعليم والتدريب على القرآن الكريم والأعراف الدينية، وتربية الأطفال على الصداقة مع الناس والتعامل معهم.
/انتهى/
تعليقك