وكالة مهر للأنباء - قسم الشؤون الدولية : تعد الهجمات الجوية والمدفعية التي يشنها جيش الكيان الصهيوني على البنية التحتية العسكرية والقواعد والمعدات التابعة للجيش السوري غير مسبوقة في نوعها. فمنذ سقوط حكومة بشار الأسد، نفذت إسرائيل أكثر من 300 هجوم على التحصينات والتجهيزات العسكرية السورية. وهنا يبرز سؤال مهم: لماذا تستهدف إسرائيل المراكز العسكرية السورية بهذا الشكل الشامل؟ وما السيناريو الذي تسعى لتحقيقه؟
وفقًا لتقارير رويترز وروسيا اليوم، فإن الهجمات الجوية تتزامن مع احتلال عدة قرى وبلدات في ريف دمشق الجنوبي من قبل القوات الإسرائيلية. ويُظهر تقدم القوات الصهيونية في هذا الريف قرب الحدود اللبنانية، وتحركها نحو خان الشيخ وقطنا، نية نتنياهو استغلال الفرصة وتهديد دمشق نفسها. بالإضافة إلى ذلك، استهدفت هجمات بالطائرات الحربية والطائرات المسيّرة الإسرائيلية منشآت عسكرية سورية.
شملت الهجمات ثلاث قواعد جوية استراتيجية سورية، بالإضافة إلى مواقع قرب دمشق، حمص، القامشلي، واستهداف تحصينات الجيش السوري في مدينة اللاذقية الساحلية. هذه الأعمال ذات الدلالات الواضحة لا يمكن التغاضي عنها. ومع ذلك، ركز "داني دانون"، سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، على قضية الجولان فقط، مدعيًا: "كما شرحت لأعضاء مجلس الأمن، قمنا بإجراءات محدودة ومؤقتة ردًا على تهديد أمني عند الحدود السورية الإسرائيلية".
ومن الجوانب المهمة الأخرى في الاستفزازات الإسرائيلية، سعي نتنياهو لتبرير احتلال جبل الشيخ، الواقع على ارتفاع 2814 مترًا عند الحدود السورية اللبنانية، باعتباره هدفًا مشروعًا. هذا الجبل، المعروف بأنه أعلى قمة في شرق البحر الأبيض المتوسط، يتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة.
من الجولان إلى دمشق
لطالما حاول الكيان الصهيوني إظهار مرتفعات الجولان كمنطقة استراتيجية تهدد وجوده، لكنه الآن يستهدف مواقع لا تمت بصلة إلى حدود الأراضي المحتلة. هذا التحول يشير بوضوح إلى أن الكيان الصهيوني يسعى جديًا لتدمير القدرات الدفاعية السورية، مما يضع هذا البلد العربي أمام تحديات أمنية كبيرة على المدى المتوسط. ومع ذلك، تلتزم قيادة تنظيم "هيئة تحرير الشام" صمتًا مريبًا إزاء هذا العدوان الصهيوني السافر دون إبداء أي رد فعل.
إحدى الخطوات المثيرة للجدل التي اتخذها بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، في الأيام الأخيرة، تمثلت في زعمه أن اتفاقية 1974 بين إسرائيل وسوريا تعتبر لاغية ولن يلتزم بها. وبناءً على ذلك، أرسل قواته إلى الجولان. وقد أدانت الأمم المتحدة هذا التصرف العدواني، مشددة على ضرورة تنفيذ بنود اتفاقية 1974 والحفاظ على استقرار الجولان. من الواضح أن الأمم المتحدة تدرك السلوك غير الأخلاقي والاحتلالي لإسرائيل، مما دفعها للتأكيد على بقاء قواتها في المنطقة.
"استيفان دوجاريك"، المتحدث باسم الأمم المتحدة، وصف وجود القوات الإسرائيلية في ثلاث نقاط بالجولان بأنه يتعارض مع اتفاقية 1974، وأدان هذا التصرف. إلى جانب ذلك، أعربت كل من حزب الله اللبناني، الكويت، قطر، الأردن، اليمن، وإيران عن إدانتها لاحتلال المنطقة العازلة مع سوريا.
تُظهر ممارسات الكيان الصهيوني السابقة أنه يسعى أولًا لاستغلال الفرص الجديدة في المنطقة لصالحه، وثانيًا أنه ليس من المستبعد أن يهاجم قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. يأتي هذا في وقت أكد فيه "نيك برينباك"، المتحدث باسم قوات حفظ السلام، أن هذه القوات ستبقى متمركزة في قواعدها بالجولان طالما لم يغير مجلس الأمن من مهامها.
ذريعة ومغالطة
يكشف استعراض الأخبار والتقارير الصادرة عن وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية الناطقة بالإنجليزية عن تنسيق واضح بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني لتبرير الهجمات الجوية على المنشآت العسكرية السورية. ونقلت وكالة أسوشيتد برس عن القيادة المركزية الأمريكية (سنتكام) تصريحًا يفيد بأن الولايات المتحدة نفسها شنت هجمات على 80 موقعًا بحجة منع ظهور تنظيم داعش مجددًا.
في المقابل، لجأ قادة الكيان الصهيوني إلى ذريعة مختلفة لتبرير هذه الهجمات. فقد صرّح "جدعون ساعر"، وزير الخارجية الإسرائيلي، بأن: "نستهدف المواقع السورية المشبوهة للتأكد من عدم وقوع الأسلحة في أيدي الأعداء". وأكدت صحيفة فاينانشال تايمز في تقرير لها أن قادة الكيان يرون أن رغم سقوط حكومة الأسد، لا تزال إيران وحزب الله يحتفظان بنفوذ كبير في سوريا.
تبرير الكيان الصهيوني للهجمات عبر ادعاء تدمير مخازن الصواريخ والأسلحة الكيميائية ومنع سوء استخدام الأسلحة المتقدمة، لا يعدو كونه مغالطة غير مقبولة. ويأتي ذلك في وقت باتت فيه المعارضة، التي سيطرت على مقاليد الأمور في سوريا، تمسك بزمام الحكم، مما ينفي صحة الذرائع التي يقدمها الكيان لتبرير هجماته المتكررة.
ماسبب صمت "الجولاني" و"أردوغان"؟
في اليوم الذي هاجم فيه المسلحون التابعون للجولاني القنصلية الإيرانية في حلب، لم يكتفوا بالإساءة إلى كل رمز وشعار سوى علم فلسطين، بل أظهروا وكأنهم يعادون إيران فقط بينما يدعمون فلسطين. ولكن الآن، حينما استهدف العدو الأكبر للفلسطينيين مواقع من المفترض أن تكون ضمن نطاق نفوذ المسلحين، لم يصدر عنهم أي رد فعل. هذا الصمت المريب من الجولاني وأتباعه قد يكون دليلاً واضحًا على وجود اتفاق سري مسبق بينه وبين نتنياهو لتدمير القدرات الدفاعية السورية بالكامل، مما يدفع سوريا إلى الاعتماد على الكيان الصهيوني، الولايات المتحدة، وتركيا لتأمين دفاعاتها مستقبلاً.
أما تركيا، التي كانت ولا تزال فاعلاً رئيسياً ومحرضاً في تسليح هيئة تحرير الشام والجماعات الإرهابية الأخرى، فقد أظهرت من خلال صمتها تجاه الهجمات الجوية الإسرائيلية، أنها لا تعارض هذا الوضع الحالي. يبدو أن تركيا تدعم التطورات الأخيرة بشكل غير مباشر من خلال عدم اتخاذ أي موقف يعارض ما يجري.
وفي هذا الوقت، يمضي قادة الكيان الصهيوني في تعزيز عدائهم تجاه إيران، واستمرار الضغط على محور المقاومة. ليس ذلك فحسب، بل تشير التحليلات إلى أن أمن سوريا وتركيا سيكون هدفاً لاحقاً في مخططات الكيان الصهيوني. يبقى أن نرى كيف ستتعامل تركيا وهيئة تحرير الشام مع الممارسات العدوانية القادمة لنتنياهو في ظل هذه التحولات المتسارعة.
/انتهى/
تعليقك