وأفادت وكالة مهر للأنباء، ان وزير الخارجية الايراني، اجرى مقابلة مع صحيفة النهار الللبنانية، حيث تناولت اخر التطورات السورية.
وجاء في نص المقابلة كما يلي:
منطقة الشرق الأوسط شهدت منذ السابع من أكتوبر 2023 تطورات سريعة ومعقدة للغاية، وكان سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا نقطة تحول بارزة فيها. كيف حدث هذا السقوط السريع لأحد أهم الحلفاء الإقليميين لإيران؟
خلافاً للاجواء الإعلامية، لم أرَ شخصياً تطورات سوريا أمراً غير متوقع. السبب وراء السقوط السريع يحتاج إلى دراسة عناصر الأرض، والزمان، والأرضية. الأحداث التي بدت ظاهرياً مفاجئة وسريعة كانت لها، في الواقع، جذور وأرضيات حقيقية تعود على الأقل إلى عشر أو اثني عشر عاماً. خلال الأشهر الأربعة عشر الأخيرة، استهدفت الهجمات المستمرة التي شنها الكيان الصهيوني البنية التحتية الدفاعية لسوريا بهدف إضعاف الحكومة السورية. وتعدد الأطراف الخارجية، ذات الأهداف المتقاطعة وأحيانًا المتناقضة - والتي كان قاسمها المشترك إسقاط النظام القائم - أدى في النهاية إلى التطورات السريعة التي شهدناها.
منذ مدة طويلة، ومن خلال مراقبة تحركات إسرائيل الإقليمية، خصوصاً بعد السابع من أكتوبر، توصلنا إلى تقييم مفاده أن الأوضاع ستصبح صعبة على الحكومة السورية، وأن استمرار الحكم سيواجه تحديات كبيرة.
نقلنا هذه الرؤية بوضوح إلى رئيس الجمهورية في سوريا في سبتمبر الماضي. المسألة أن التخطيط كان يتم خارج المنطقة. كانت لدينا معلومات موثقة وعديدة عن التحركات والاتصالات المكثفة التي تمت في عواصم الدول المجاورة لكسب تأييد هذه الدول ودعمها. السياسة الأميركية القائمة على التهديد والإغراء لدفع دول المنطقة نحو صراع واسع بهدف إنقاذ إسرائيل لم تكن خافية حتى على وسائل الإعلام.
كان من المتوقع أن تظهر الحكومة السورية مرونة تجاه المبادرات والاقتراحات الدبلوماسية الرامية إلى إشراك المعارضة في السلطة، وهو ما لم يحدث. منذ انطلاق مسار أستانا، كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية دائما داعمة للمفاوضات الثلاثية مع تركيا وروسيا، كما أجرت اتصالات مباشرة مع وفود المعارضة السورية، حيث جرت ساعات طويلة من المناقشات وتبادل وجهات النظر معهم. وفي كل مرة، كنا نقدم مقترحات المعارضة اضافة إلى ملاحظاتنا إلى السلطات العليا في دمشق فضلا عن نقل ما جرى في مباحثات أستانا.
دعم إيران كان عاملاً رئيسياً في صمود النظام السوري السابق في مواجهة الانتفاضة ضده عام 2011. فلماذا لم تدعم طهران هذا النظام في مواجهة تحرير الشام؟
-دعمنا لسوريا كان دعما لدولة بناءً على طلب رسمي من حكومتها الشرعية، بهدف منع سيطرة الإرهاب والتطرف الوحشي والعنيف لداعش. هذا التدخل كان يهدف إلى حماية دولة مهمة في المنطقة من الوقوع في الفوضى والقتل والجرائم والتحول إلى "دولة فاشلة"، وكذلك للحفاظ على أمن واستقرار المنطقة، والذي نعتبره دائما جزءاً لا يتجزأ من أمننا القومي.
علينا أن نتذكر أن سوريا كانت تواجه تهديداً وجودياً لوحدة أراضيها نتيجة صعود إرهاب داعش الجامح. كانت خطوطنا الحمراء واضحة، كما أكدتُ قبل زيارتي الأخيرة إلى سوريا في مطار طهران، وهي الحفاظ على الحدود السياسية والسيادة الوطنية لدول المنطقة.
أثبتنا هذا الموقف خلال الأزمة التي واجهتها تركيا في 15 يوليو 2016؛ إذ كانت إيران أول دولة وقفت ضد الانقلاب الذي هدد سيادة تركيا الوطنية.
كنتُ في ذلك الوقت نائب وزير الخارجية، وكنتُ حاضراً في غرفة الأزمة التي شُكّلت، وكنتُ شاهدا على الاتصالات الهاتفية المستمرة والطويلة بين المسؤولين الإيرانيين، وكذلك على التنسيق المتعدد بين عسكريينا ونظرائهم الأتراك. لذا، كما أن حماية السيادة الوطنية التركية وحدودها تُعد أولوية بالنسبة لنا، فإن لدينا نفس الرؤية تجاه سوريا وجميع الدول المجاورة والمنطقة. ومن الطبيعي أننا لسنا مُلزمين بالقتال بدلاً من جيش دولة أخرى، ولكننا سنبدي تعاونا في مواجهة التهديدات الموجهة للأمن القومي لجيراننا من قِبل القوات الأجنبية، أو التيارات الإرهابية والانفصالية، وذلك بعد تلقي طلب منهم. هذا الأمر يُعد موضوعا مقبولا وفقا للقانون الدولي.
على عكس أميركا التي تحتل جزءاً مهما من سوريا دون أي إذن أو أساس قانوني، لم نتوجه أبدا إلى هناك بدون طلب وإذن من الحكومة السورية. راجعوا تاريخ إيران فيما يتعلق بعُمان؛ حيث حدث هذا مرتين في القرنين التاسع عشر والعشرين بناءً على طلب حكومات ذلك البلد. واليوم، تُعد سلطنة عُمان أقرب جيراننا من حيث التبادلات المختلفة في منطقة الخليج، فهي تمتلك الاستقلال والسيادة ووحدة أراضيها، ونحن نفخر بذلك. وبالنسبة لسوريا، فإن نظرتنا هي ذاتها. ومع ذلك، يجب أن أعترف أنه قد تم ظلم السياسة الإقليمية لإيران بسبب الحملة الإعلامية، وذلك ناتج من تقصيرنا من ناحية، ومن موجة التشويه الإعلامي العالمي من ناحية أخرى، التي بدأت مع الثورة الإيرانية. لقد تحوّل بناء صورة خاطئة عن إيران إلى عمل يمتد الآن إلى العالم الإسلامي، حيث يستفيد الكثيرون يومياً من ظاهرة الإسلاموفوبيا.
ماذا حدث في لقائكم الأخير مع الرئيس السوري في دمشق قبل عدة ايام من السقوط، هناك مواضيع كثيرة نشرت بهذا الشأن؟ هل نستطيع أن نسمع بشكل خاص من معاليكم انه ماذا جرى بالتحديد وهل أوصيتم الرئيس السوري بأن لا يقاوم؟
من المؤكد أن البروتوكولات الدبلوماسية لا تسمح لدولة بأن تقدم توصيات مباشرة إلى دولة أخرى، لكن مستوى التعاون والمشاورات بيننا وبين سوريا، والذي تطور خلال سنوات من التعاون الاقتصادي والصناعي والثقافي والسياسي، كان عاليا جدا فلذلك في جميع المشاورات كنا نتحدث بصراحة شفافية فيما بيننا. في ذلك اللقاء الأخير، كان حديثي مع الرئيس السوري مقسما إلى قسمين: عام وخاص. في كلا القسمين كنت صريحًا ودقيقًا، وأوضحت له الظروف وأكدت أن إيران تدعم بقوة وحدة الأراضي السورية وسعادة شعبها واستقرار مؤسساتها الحكومية ونحن ندعم هذه المبادئ الثلاثة التي تعتبر مجموعة مبادئ في تنظيم العلاقات الثنائية. منذ عام 2011، كنا دائما نقترح على الحكومة السورية ضرورة بدء حوار سياسي مع تلك المعارضة التي لا تُنسب إلى الإرهاب.
كيف ترى إيران تأثير هذه التطورات على دورها الإقليمي؟
الجيوسياسية والعمق الاستراتيجي لكل دولة يعتمد على موقعها الجغرافي من النواحي الطبيعية والبشرية والسياسية. طالما لم تتغير الحدود أو يتم تهجير السكان أو تبدل المعطيات السياسية، فإننا لا نتوقع تغيراً في موقعنا. إيران كانت ولا تزال شريكًا موثوقًا به لجيرانها، دون أن تكون لها أطماع في أراضيهم، بل تعمل على تسهيل التبادل التجاري.
أهم ما يميز إيران هو مقاومتها المستمرة لعدة عقود ضد أهداف الكيان الصهيوني، مما يبرز التزامها بالقضية المركزية للعالم الإسلامي ومواجهة الخطر الأكبر على أمن واستقرار غرب آسيا.
ما هو المسار الذي تفضلونه للحوار مع الحكومة القائمة في سوريا؟
القنوات الرسمية والدبلوماسية هي خيارنا المفضل، وهذا يعود إلى وجود التنسيق والضمانات اللازمة وفقًا لاتفاقية فيينا، لحضور الوفد الفني لوزارة الخارجية برفقة الدبلوماسيين المُعينين. سيتم تحديد الأضرار وتقديم تقرير بها إلى المسؤولين السوريين، وكذلك سيتم تجهيز السفارة في دمشق والقنصلية العامة في حلب لتقديم الخدمات من خلال الوفد الفني. وفي الوقت نفسه، ستبدأ المباحثات والتقييمات السياسية من قِبل الدبلوماسيين مع المسؤولين المطلعين وفقًا لمهامهم المعتادة.
ما هو شكل الحكومة الجديدة في سوريا الذي تفضله إيران؟
مثل أي بلد، يجب أن تكون الحكومة انعكاسًا لإرادة الشعب، وشاملة لجميع الفئات المؤهلة لتمثيل المجتمع السوري. يجب أن تسهم في تمهيد الطريق لحوار وطني يضمن وحدة سوريا داخل حدودها السياسية.
اعتقد أن الحكومةً التي تجعل من صون الحدود وممارسة السيادة مع الرضا الاجتماعي على الأراضي السورية أمرًا ممكنًا، فتحصل على عنصرين داخليين أساسيين، كما أن الحكومة التي تسعى لحسن الجوار مع الحفاظ على استقلال القرار في تنظيم العلاقات الدولية فتحصل على عنصرين خارجيين ضروريين للنظام المثالي والشامل الذي يمكن أن ينقذ سوريا.
ما اقتراحكم للبدء في مسار ناجح للخروج من الأزمة وعودة السلام والاستقرار إلى سوريا وإقامة حكومة وطنية؟
في رأيي، هناك عدة خطوات ومراحل يجب مراعاتها:
اولًا؛ على المستوى الداخلي، يجب البدء بحوار وطني سوري ـ سوري بحيث يشعر جميع الشرائح المختلفة والمتنوعة من أبناء الشعب السوري بالمشاركة. وبالتزامن مع هذه الحوارات، يجب التركيز على مساعدة عودة اللاجئين.
ثانيًا؛ على المستوى الدولي، ينبغي عقد مؤتمر بمشاركة جميع الدول المساهمة لإعادة إعمار سوريا وتسوية ديونها، بحيث تساهم جميع الدول التي لها مستحقات لدى سوريا في دعم مستقبل هذا البلد. وفي هذا المؤتمر يتم تحديد الديون وجدولتها، كما تُحدد المساعدات والتعهدات اللازمة. من المهم للغاية أن يتم التركيز بالتزامن مع التقدم نحو الاستقرار السياسي الداخلي على تثبيت الاقتصاد السوري بشكل عاجل وفوري.
الخطوة الأخرى التي يجب اتخاذها لضمان نجاح هذين الإجراءين، هي تفعيل دور الأمم المتحدة ومجلس الأمن لفرض الالتزام بتحرير الأراضي السورية وإعادتها إلى الشعب السوري. ويجب احترام وحدة الأراضي السورية.
آية الله علي خامنئي، قائد الجمهورية الإسلامية، اتهم دولة أخرى بالسعي لتغيير نظام الأسد، هل كان يقصد تركيا؟ وهل هناك اتصالات بين طهران وأنقرة بشأن مستقبل سوريا؟
إنّ المشاورات بين الدولتين الجارتين، إيران وتركيا، بشأن القضايا الإقليمية كانت ولا تزال قائمة طوال التاريخ الطويل للعلاقات بين البلدين. إنّ زيارتي من دمشق إلى أنقرة تُظهر مقاربة واضحة تعكس مستوى عالٍ من التعاون والمشاورات المستمرة حتى في ظل اختلاف وجهات النظر وتباين التوجهات. هذه المشاورات كانت قائمة طوال السنوات الأخيرة التي بلغت فيها الأزمة السورية ذروتها، من خلال آلية أستانا الثلاثية أو عبر اتصالات المسؤولين في البلدين. لقد شاركنا مخاوفنا خلال العديد من اللقاءات بشأن تأثير التطورات السورية مع نظرائنا الأتراك، ونعتقد أنه لا توجد دولة في جوارها يمكن أن تستغني عن الأخرى، فالأمن بين الجارتين مترابط.
وفيما يتعلق بتصريحات سماحة القائد، أود أن ألفت انتباهكم إلى النص الكامل لكلامه، حيث أكّد على أن "ما يحدث في سوريا هو خطة أميركية ـ إسرائيلية تلعب فيه دولة أخرى دورا واضحا". ثم أوضح بشكل صريح أن "العامل الرئيسي المُتآمر والمخطط الأساسي وغرفة القيادة موجودة في أمريكا والكيان الصهيوني".
برأيي، يجب الاستناد إلى النص الكامل لعبارات سماحته لفهم المعنى بدقة، وإلا سنقع في النظرة التبسيطية ونحكم بشكل خاطئ على الرؤية الاستراتيجية لإيران. من المهم ملاحظة أن سماحته أكد على "العبارة الرئيسية" ثلاث مرات. وبالتالي، أعتقد أن التصور الوارد في سؤالكم لا يستند إلى النص الصريح لكلام سماحته.
حول لبنان، أود أن أطرح عليكم سؤالاً يتكرر طرحه خلال الحرب الأخيرة: هل تعتبر إيران فعلاً حزب الله موضوعاً للتفاوض والاتفاق؟
استغربت قليلاً من سؤالكم، لأنكم تعرفون حزب الله أكثر مني. حزب الله كان دائماً جزءاً لا يتجزأ من المجتمع اللبناني، ولعب دوراً حاسماً في التحولات التاريخية للبنان خلال العقود الثلاثة الماضية. كذلك، رؤيتنا لحزب الله كانت ولا تزال مبنية على الإدراك الذي حمله قائده الشهيد ورفاقه. واليوم، مع القيادة الجديدة التي تتولى دفة حزب الله، لا تزال تلك الرؤية حاضرة لدينا.
حزب الله بالنسبة لنا دائماً كان قوة اجتماعية مؤثرة، وقوة عسكرية مدافعة، وحركة سياسية فعالة تسهم في الحفاظ على التماسك الوطني، واستتباب الأمن، ودعم البنية الدفاعية، وتوجيه سفينة لبنان في بحر الأحداث بالتعاون مع بقية اللبنانيين. هذا هو الأساس الذي تنطلق منه رؤيتنا لحزب الله.
بالإضافة إلى ذلك، لعب حزب الله دوراً محورياً بجانب الشعوب المسلمة والقوى العربية في الدفاع عن أرض فلسطين ومقاومة التوسع العدواني وبلا حدود لإسرائيل. هذا هو ما يجمعنا معه. وأعتقد أن جميع شعوب المنطقة مدينة لحزب الله وشعب لبنان على تضحياتهم.
إيران تقف إلى جانب جميع قوى المقاومة في الجبهة المناهضة للصهيونية، وهي بالتأكيد تدعم كافة القوى الإسلامية والعربية التي تنتمي إلى هذا المحور. وأكرر مرة أخرى أن المقاومة ضد الاحتلال والتوسع المستمر لإسرائيل ليست مجرد قضية عقائدية، بل هي واقع مهم وأهم أداة للحفاظ على أمن واستقرار المنطقة بأسرها.
يوفر اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل مجالا للتحرك لإسرائيل، كيف تقيمون هذا الاتفاق؟
أولا أعتقد أن إسرائيل وافقت على هذا الاتفاق لأنها لم تكن قادرة على تحمل الحرب والمواجهة المباشرة. منذ أكثر من عام، يستهدف الجيش الإسرائيلي الرجال والنساء العزل والأبرياء في غزة بمن فيهم الأطفال والمسنين المرضى والعجزة بأقوى الضربات الممكنة - وهي كارثة القرن المعاصر- وحوّلهم إلى هدفه الرئيسي ويرتكب إبادة جماعية حقيقية. ماذا حققت هذه الوحشية؟ توسيع رقعة الحرب إلى لبنان واليوم إلى سوريا؟ ما هي القيمة المضافة التي خلقتها هذه الهجمات لإسرائيل؟ فسوى "‘إثارة كراهية عامة في العالم" وكشف الوجه الحقيقي للكيان الصهيوني باعتباره كياناً يرتكب "الإبادة الجماعية" ومجرم حرب ملاحق من قبل المحكمة الجنائية الدولية ومدانا من قبل محكمة العدل الدولية، ما هي النتائج التي حققها؟ هذا ثمن باهظ وطويل الأمد يدفعه يهود أصبحوا في أسر فكرة الصهيونية. إن الصهيونة بالأمس متمثلة في غولدا ماير وشارون واليوم متمثلة نتنياهو أساءت استغلال عنصرين هما دين النبي موسى كليم الله والهوية العرقية لليهود. بالنسبة لي، تقديري هو أن نتنياهو الذي ينتهك اتفاق 21 مايو 1974 وقرار مجلس الأمن رقم 360 بشأن وقف الصراع مع سوريا، ولا يعتبر نفسه ملتزماً بأي مبدأ، لن يلتزم بوقف إطلاق النار. لهذا السبب، نعتقد أنه ينبغي للدول أن تقف موحدة وقوية في مواجهة هذه القوة المدمرة والشيطانية، بالاعتماد على مقدراتها الوطنية وقوة شبابها المتحمسین.
هل تساعد إيران على إعادة الإعمار في لبنان؟
أثبتت إيران أنها تساعد لبنان في أصعب الظروف. لقد أظهرت إيران إرادتها الثابتة عندما كانت أزمة الوقود في لبنان قد وضعت اقتصاد البلاد على حافة الإفلاس والانهيار. لا شك في أن الشهيد نصر الله لعب دورا فعالا في تلك الحالة بالذات، لكن بغض النظر عن ذلك فإن الروابط التاريخية والتفاعلات الثقافية بين شعبي إيران ولبنان، على الرغم من المسافة الجغرافية، شكلت أساس تعاطف التاريخي بينهما. منذ ثمانية قرون رسم سعدي الشيرازي، الشاعر الإيراني الذي كان ينشد أشعاره باللغتين الفارسية والعربية، مسار شعبنا بعناية إذ قال:
إن كنت لا تبالي بمحن الاخرين فلا تستحق أن تُسمَّى إنسانا
اتخذت إيران خطوات كبيرة نحو المصالحة مع دول شبه الجزيرة العربية. هل هناك جهود لتطبيع العلاقات مع مصر كذلك؟ وهل التطورات الجديدة لها تأثير عليها؟
إن تأثير التطورات الإقليمية على تنظيم العلاقات بين دول المنطقة واضح، خاصة أن جميع دول المنطقة مرت بتجارب مريرة من التطورات الناجمة عن تدخلات قوى من خارج المنطقة. الأمن والمصير المشتركين لدول المنطقة يحتمان على الحكومات اتخاذ خطوات أساسية في تنظيم علاقات مستقرة و مستدامة. على مدار عقود عديدة، شهدنا أن تطبيق سياسة "فرق تسد" التي انتهجها الاستعمار في القرن التاسع عشر والقوى العالمية في القرن العشرين، ترك تأثيراً مدمراً على التكامل الإقليمي. بعد ذلك، في فترات معينة، كان الفهم المشترك لدينا هو أن تعميق مستوى التعاون البناء يؤدي إلى تحسين مستوى العلاقات الرسمية، مما سيكون له على المدى المتوسط تأثير بناء على التبادلات الاجتماعية لدول المنطقة. من هذا المنطلق، تجدر الإشارة إلى أن هناك بعض التهديدات داخل المنطقة يمكن أن يؤدي تجاهلها إلى إلحاق أضرار كثيرة بالاستقرار ومسار التنمية لجيراننا الذين جعلوا البرامج الاقتصادية المهمة محور خططهم. ممارسات الجماعات الإرهابية والانفصالية، والمخدرات، والهجرة غير الشرعية، والمشاكل البيئية هي أمثلة واضحة على قضايا لا يمكن لأي دولة حلها بمفردها ودون رفع مستوى الاتصالات السياسية. الآن نشهد أحداثاً مهمة في سوريا. عنصر مدمر في المنطقة، وهو الكيان الصهيوني، يطبق منذ أكثر من عام علناً ودون توقف مشروع "المحو الاستعماري" – وهو تسمية استخدمتها المقررة الأممية المعنية بحالة حقوق الإنسان لوصف تلك الممارسات - فضلاً عن تدمير كافة البنى التحتية الأساسية للحياة في غزة. اليوم، في ظل الأحداث في سوريا، انتهك هذا الكيان اتفاقيات وقرارات مجلس الأمن ويعتدي على سوريا. إن مهاجمة قدرات سوريا الدفاعية والعلمية والتنموية وتدمير المدن والموانئ وخطوط المواصلات وقتل العزل أصبح إجراء روتينيا من قبل هذا الكيان في هذه الأيام وذلك بهدف تصدير مشاكل سوريا إلى دول الجوار والمنطقة. لا يمكن إنكار الأثر المدمر لمثل هذه التصرفات على المصير المشترك لدول غرب آسيا وشمال أفريقيا الكبيرة منها والصغيرة، لذلك، من الحكمة أن تعمل دول المنطقة على تحسين مستوى التعاون وتعميق العلاقات بين الحكومات والشعوب.
يعتقد البعض أن الحكومة الحالية في إيران لديها توجه إصلاحي. تحاول بلادكم تحسين علاقاتها مع الغرب وهي تهتم أيضا بإعادة تفعيل الاتفاق النووي. ما رأيك في هذا الأمر؟
جعلت الحكومة الإيرانية الحالية مبدأ واحداً أساس سياستها الداخلية: "الوفاق الوطني"، وأظهرت أنه بغض النظر عن التنوع في التوجهات السياسية والفروق المذهبية والعرقية، فإنه يمكن تشكيل حكومة موحدة ومتكاملة ودعوة مختلف شرائح المواطنين إلى التعاون في تحديد مصير البلاد. هذا هو نموذج للسيادة الشاملة والذي نطبقه الآن في إيران، وهو نفس النموذج الذي اعتمدناه كأساس لتقديم مشاوراتنا مع البيئة المجاورة، من أفغانستان إلى العراق وسوريا وجميع بلدان غرب آسيا. في امتداد السياسة الداخلية، يلقي هذا الوفاق بظلاله على الدبلوماسية وتنفيذ برنامج سياستنا الخارجية. لذلك، في برنامجنا النووي السلمي، تصرفنا بطريقة ملتزمة ومتعاطفة فيما يتعلق بالقوانين المقبولة، وإذا لم تحدث ممارسات خاطئة فلا نعتزم تغيير سياستنا. حتى عندما تم الاتفاق على خطة العمل الشاملة المشتركة كبرنامج مشترك بيننا وبين مجموعة 5+1، خطونا خطوات كبيرة استناداً إلى روح تلك الخطة والتي كانت قائمة على الإجماع والوفاق. اليوم، لا تزال قلما توجد شكوك في نوايانا. لكن نموذج الوفاق العالمي هذا تضرر عندما قررت الولايات المتحدة الانسحاب منه. حتى الآن ورغم كل الصعوبات حاولنا نحن وبعض الأعضاء الآخرين الحفاظ عليه. من وجهة نظر الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إن إحياء الاتفاق النووي والحفاظ على روح الثقة والوفاق بين كل أعضاء مجموعة 5+1 هو الحل المناسب لبدء مرحلة جديدة وتحقيق نتائج مثمرة.
هل لديكم فكرة عن شكل العلاقات بين طهران وواشنطن عندما يدخل الرئيس الجديد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض الشهر المقبل؟
ليس من عادتي أن أحكم على الأمور في فضاء الخيال، بل أهتم بالمؤشرات المنطقية وتحليلها للتقييم والتنبؤ. بشكل عام، علينا أن ننتظر المزيد من المؤشرات حول الولاية الجديدة لترامب. إن مبدأ التغيير والتحول في السلطة في الولايات المتحدة، والذي يطبق من خلال انتخابات كل أربع سنوات، يسمح دائما للإدارات الأميركية بمراجعة سياسات قد تكون ناجحة أحياناً وغير فعالة أحياناً أخرى، وهذا أمر جيد بشكل عام أن يتمكن حكام أي بلد من التخلص من بعض السياسات التي اختارتها أو التوجهات التي فُرضت عليها. من وجهة نظري فإن توجيه علاقات الولايات المتحدة مع إيران طوال العصر الحديث تم على يد سوّاق ورّطوا الركاب باستمرار في تقلبات ومنحدرات. وبالمناسبة، في بعض الأحيان تخلق لعبة أو تجربة غير مكتملة وعياً أكبر يوفر فرصة لاتخاذ قرار شجاع بالتخلي عن نهج ما، ورمي الكرة داخل الحفرة بتسديدة دقيقة. أرى أن القيادة الأميركية في الولاية الرئاسية الـ47 هي استمرار للسير على نفس الطريق الذي سارت عليه منظومة صنع السياسة الأميركية التقليدية، لكن فيما يتعلق بالفترة المقبلة نجد بعض التصريحات والقرارات ينبغي الانتباه إليها في التقييم. على سبيل المثال، عندما يسمع مراقب أنه من المفترض اعتماد الكفاءة في تنفيذ البرامج الحكومية، يسأل نفسه: ما هو شرط الكفاءة؟ هل من المفترض أن تؤخذ الأرباح والخسائر بعين الاعتبار عند تنفيذ البرامج؟ إذا كان الأمر كذلك حقاً، وتم حساب خسائر الولايات المتحدة من المواجهة مع إيران والأخذ في الاعتبار بدقة فائدة تصحيح السياسة، فهو كأن سائق سيارة العلاقات الثنائية يفكر في تغيير الطريق واختيار مسار جديد. وحتى لو كان الطريق الجديد أطول من الطريق القديم الحافل بالتقلبات والمنحدرات، فهو يسمح بتسريع وتيرة الأمور وإيصال المسافرين المتعبين والقلقين إلى وجهتهم بسلام. لكن برأيي علينا أن ننتظر بدقة التحركات العملية، وننتظر الإجابة على سؤال ما إذا كانت الولاية الـ47 للرئاسة الأميركية ستشكل حقبة مميزة في تاريخ هذا البلد؟
اليوم تحظى التطورات الداخلية الإيرانية باهتمام كبير في المنطقة العربية. على سبيل المثال، أمور مثل الحجاب تثير ضجة كبيرة على المواقع الإلكترونية وتهتم وسائل التواصل الاجتماعي بكل ما يحدث في إيران وترصدها، ما رأيك في الأوضاع داخل إيران؟
أنا أنظر إلى القضايا بعناية من داخل هذا المجتمع. عندما أفكر بعمق في أن أفراد المجتمع ينظرون بمسؤولية إلى رسم مصير مستقبلهم ومستقبل أبنائهم؛ أو عندما يشاركون في بناء الخطاب الوطني من خلال طرح آرائهم ووجهات نظرهم المتنوعة، أشعر بالأمل. إنها ديناميكية المجتمع أن يطرح ويبين فيه معظم الناس أراءهم المختلفة فيما بينهم. ومن الطبيعي أن المشرّعين الذين يُنتخبون بشكل مباشر من قبل الشعب، والحكومة التي تشكلت على أساس أصوات أغلبية أبناء البلاد، يقومون بمهامهم في إطار الدستور. ما هي الصورة التي تصنعها قضايا مثل الحجاب، وقبول حالات عدم التوازن القائمة، ونموذج الحكم الناجح، والتمسك بالقيم الأصيلة للثورة، بما في ذلك الحرية والاستقلال، والاهتمام بالقيم الوطنية والدينية، والعديد من القضايا الأخرى التي يتم مناقشتها في المجتمع الإيراني بحيوية؟ أليس الأمر أن مجتمعاً ينوي رسم مسار المستقبل من خلال توظيف تجاربه والمقارنة بين حالات النجاح والفشل لدى شعوب العالم الأخرى؟ لذلك، رغم كل الأخبار الكبيرة والصغيرة، عندما أنظر إلى ديناميكية هذه الحركة، فإنني كوزير الخارجية أشعر بالفخر.
هل هناك رسالة أخيرة تود توجيهها لمنطقة الشرق الأوسط والعالم في ظل التغيرات التي نشهدها؟ إلى من ستوجهها؟ وما فحواها؟
مصير منطقة غرب آسيا يُصنَع من تصرفات وسلوكيات كل دولة في المنطقة؛ ونحن جميعاً نتحمل المسؤولية بشأن منع انزلاق سوريا نحو مصير مرير باختيارات خاطئة في الوضع الصعب الذي يعيشه هذا البلد. هناك قوة مدمرة "تستهدف" سكان هذه المنطقة بوحشية منذ أكثر من عام؛ وقد وضعت تدمير القدرات الدفاعية لدول المنطقة على "جدول أعماله"، ورسمت مهمة لنفسها هي تدمير البنى التحتية العلمية والتعليمية والمواصلاتية والصناعية والرأسمالية، وجعلت انتهاك سيادة الدول «استراتيجية» لنفسها. هذه الممارسات بدأت في غزة، امتدت إلى لبنان، واستهدفت إيران، وفي وقت يجب أن ينعم فيه الشعب السوري بالهدوء ليقوم باختياراته المصيرية، تواصل تطبيق خطتها الخبيثة في الأراضي السورية. إسرائيل تقف بوجهنا جميعا وبوجه جميع شعوب المنطقة. وبغض النظر عما إذا كنا في طهران والقاهرة وبيروت والرياض وأنقرة وأبو ظبي والدوحة وبغداد، يجب أن نعرف أننا مجموعة تاريخية متنوعة ذات لغات متنوعة مثل الفارسية والعربية والتركية والكردية والقبطية والآرامية وعلينا بناء حوار مع بعضنا البعض. لم تعد لغة هذا الحوار مهمة، لكن يجب أن نبحث عن "أساسيات هذا الحوار". أما بالنسبة للعالم، إن شعوبنا في كل دولة من دول المنطقة تريد السلام والتعاون وتأمل أن تفهم الدول الكبرى هذه الرسالة وتتصرف بمسؤولية بشأن ماضيها. لذلك، أوجه رسالة إلى العالم كما طلبتم، وأقول: "من منظورنا، فإن التعويض عن الماضي هو فرصة يمنحها المستقبل القريب للعالم".
تعليقك